قال في "الكشاف" كان جذع نخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمر ولا خضرة، وكان الوقت شتاء والتعريف إما أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة كتعريف النجم والصعق كأن تلك الصحراء كان فيها جذع نخلة مشهور عند الناس، فإذا قيل : جذع النخلة فهم منه ذلك دون سائره وإما أن يكون تعريف الجنس أي إلى جذع هذه الشجرة خاصة كان الله أرشدها إلى النخلة ليطعمها منها الرطب الذي هو أشد الأشياء موافقة للنفساء، ولأن النخلة أقل الأشياء صبراً على البرد ولا تثمر إلا عند اللقاح، وإذا قطعت رأسها لم تثمر، فكأنه تعالى قال كما أن الأنثى لا تلد إلا مع الذكر فكذا النخلة لا تثمر إلا عند اللقاح، ثم إني أظهر الرطب من غير اللقاح ليدل ذلك على جواز ظهور الولد من غير ذكر.
المسألة التاسعة :
لم قالت :﴿ياليتنى مِتُّ قَبْلَ هذا﴾ مع أنها كانت تعلم أن الله تعالى بعث جبريل إليها وخلق ولدها من نفخ جبريل عليه السلام ووعدها بأن يجعلها وابنها آية للعالمين، والجواب من وجهين : الأول : قال وهب : أنساها كربة الغربة وما سمعته من الناس ( من ) بشارة الملائكة بعيسى عليه السلام.
الثاني : أن عادة الصالحين إذا وقعوا في بلاء أن يقولوا ذلك.
وروى عن أبي بكر أنه نظر إلى طائر على شجرة فقال : طوبى لك يا طائر تقع على الشجرة وتأكل من الثمر! وددت أني ثمرة ينقرها الطائر! وعن عمر أنه أخذ تبنة من الأرض وقال : ليتني هذه التبنة يا ليتني لم أك شيئاً! وقال علي يوم الجمل : يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وعن بلال : ليت بلال لم تلده أمه.
فثبت أن هذا الكلام يذكره الصالحون عند اشتداد الأمر عليهم.
الثالث : لعلها قالت ذلك لكي لا تقع المعصية ممن يتكلم فيها، وإلا فهي راضية بما بشرت به.
المسألة العاشرة :