وثالثها : أنا نقول دلالة أحوال عيسى على العبودية أقوى من دلالتها على الربوبية لأنه كان مجتهداً في العبادة والعبادة لا تليق إلا بالعبيد فإنه كان في نهاية البعد عن الدنيا والاحتراز عن أهلها حتى قالت النصارى إن اليهود قتلوه ومن كان في الضعف هكذا فكيف تليق به الربوبية.
ورابعها : المسيح إما أن يكون قديماً أو محدثاً والقول بقدمه باطل لأنا نعلم بالضرورة أنه ولد وكان طفلاً ثم صار شاباً وكان يأكل ويشرب ويعرض له ما يعرض لسائر البشر، وإن كان محدثاً كان مخلوقاً ولا معنى للعبودية إلا ذلك، فإن قيل : المعنى بإلهيته أنه حلت صفة الآلهية فيه، قلنا : هب أنه كان كذلك لكن الحال هو صفة الإله والمسيح هو المحل والمحل محدث مخلوق فما هو المسيح ( إلا ) عبد محدث فكيف يمكن وصفه بالإلهية.
وخامسها : أن الولد لا بد وأن يكون من جنس الوالد فإن كان لله ولد فلا بد وأن يكون من جنسه فإذن قد اشتركا من بعض الوجوه، فإن لم يتميز أحدهما عن الآخر بأمر ما فكل واحد منهما هو الآخر، وإن حصل الامتياز فما به الامتياز غير ما به الاشتراك، فيلزم وقوع التركيب في ذات الله وكل مركب ممكن، فالواجب ممكن هذا خلف محال هذا كله على الاتحاد والحلول.
أما الاحتمال الثالث : وهو أن يقال معنى كونه إلهاً أنه سبحانه خص نفسه أو بدنه بالقدرة على خلق الأجسام والتصرف في هذا العالم فهذا أيضاً باطل لأن النصارى حكوا عنه الضعف والعجز وأن اليهود قتلوه ولو كان قادراً على خلق الأجسام لما قدروا على قتله بل كان هو يقتلهم ويخلق لنفسه عسكراً يذبون عنه.
وأما الاحتمال الرابع : وهو أنه اتخذه ابناً لنفسه على سبيل التشريف فهذا قد قال به قوم من النصارى يقال لهم الأرميوسية وليس فيه كثير خطأ إلا في اللفظ فهذا جملة الكلام على النصارى وبه ثبت صدق ما حكاه الله تعالى عنه أنه قال : إني عبد الله.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿آتاني الكتاب﴾ وفيه مسائل :