ورابعها : مبارك على الناس بحيث يحصل بسبب دعائي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، عن قتادة أنه رأته امرأة وهو يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص فقالت : طوبى لبطن حملك وثدي أرضعت به، فقال عيسى عليه السلام مجيباً لها : طوبى لمن تلا كتاب الله واتبع ما فيه ولم يكن جباراً شقياً.
أما قوله :﴿أَيْنَ مَا كُنتُ﴾ فهو يدل على أن حاله لم يتغير كما قيل إنه عاد إلى حال الصغر وزوال التكليف.
الصفة الخامسة : قوله :﴿وَأَوْصَانِى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً﴾ فإن قيل كيف أمر بالصلاة والزكاة مع أنه كان طفلاً صغيراً والقلم مرفوع عنه على ما قاله ﷺ :
" رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ " الحديث وجوابه من وجهين : الأول : أن قوله :﴿وأوصاني بالصلاة والزكاة﴾ لا يدل على أنه تعالى أوصاه بأدائهما في الحال بل بعد البلوغ فلعل المراد أنه تعالى أوصاه بهما وبأدائهما في الوقت المعين له وهو وقت البلوغ.
الثاني : لعل الله تعالى لما انفصل عيسى عن أمه صيره بالغاً عاقلاً تام الأعضاء والخلقة وتحقيقه قوله تعالى :﴿إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ] فكما أنه تعالى خلق آدم تاماً كاملاً دفعة فكذا القول في عيسى عليه السلام، وهذا القول الثاني أقرب إلى الظاهر لقوله :﴿مَا دُمْتُ حَيّاً﴾ فإنه يفيد أن هذا التكليف متوجه عليه في جميع زمان حيائه ولكن لقائل أن يقول لو كان الأمر كذلك لكان القوم حين رأوه فقد رأوه شخصاً كامل الأعضاء تام الخلقة وصدور الكلام عن مثل هذا الشخص لا يكون عجباً فكان ينبغي أن لا يعجبوا فلعل الأول أن يقال إنه تعالى جعله مع صغر جثته قوي التركيب كامل العقل بحيث كان يمكنه أداء الصلاة والزكاة والآية دالة على أن تكليفه لم يتغير حين كان في الأرض وحين رفع إلى السماء وحين ينزل مرة أخرى.