الثاني : قال أبو مسلم الأصفهاني : الواو في وإن الله عطف على قول عيسى عليه السلام :﴿إِنّى عَبْدُ الله ءاتَانِىَ الكتاب﴾ [ مريم : ٣٠ ] كأنه قال : إني عبد الله وإنه ربي وربكم فاعبدوه، وقال وهب بن منبه عهد إليهم حين أخبرهم عن بعثه ومولده ونعته أن الله ربي وربكم أي كلنا عبيد الله تعالى.
المسألة الثالثة :
قوله :﴿وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ﴾ يدل على أن مدبر الناس ومصلح أمورهم هو الله تعالى على خلاف قول المنجمين إن مدبر الناس ومصلح أمورهم في السعادة والشقاوة هي الكواكب ويدل أيضاً على أن الإله واحد لأن لفظ الله اسم علم له سبحانه فلما قال :﴿إِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ﴾ أي لا رب للمخلوقات سوى الله تعالى وذلك يدل على التوحيد، أما قوله :﴿فاعبدوه﴾ فقد ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بالعلية فههنا الأمر بالعبادة وقع مرتباً على ذكر وصف الربوبية فدل على أنه إنما تلزمنا عبادته سبحانه لكونه رباً لنا، وذلك يدل على أنه تعالى إنما تجب عبادته لكونه منعماً على الخلائق بأصول النعم وفروعها، ولذلك فإن إبراهيم عليه السلام لما منع أباه من عبادة الأوثان قال :﴿لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً﴾ يعني أنها لما لم تكن منعمة على العباد لم تجز عبادتها، وبهذه الآية ثبت أن الله تعالى لما كان رباً ومربياً لعباده وجب عبادته، فقد ثبت طرداً وعكساً تعلق العبادة بكون المعبود منعماً، أما قوله :﴿هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ﴾ يعني القول بالتوحيد ونفي الولد والصاحبة صراط مستقيم وأنه سمي هذا القول بالصراط المستقيم تشبيهاً بالطريق لأنه المؤدي إلى الجنة، أما قوله تعالى :﴿فاختلف الأحزاب مِن بَيْنِهِمْ﴾ ففي الأحزاب أقوال : الأول : المراد فرق النصارى على ما بينا أقسامهم.
الثاني : المراد النصارى واليهود فجعله بعضهم ولداً وبعضهم كذاباً.