والأكثرون على أنه محمول على ظاهره، والقول الأول إنما يصح لو كان إبراهيم عليه السلام عالماً بأن أباه سيموت على ذلك الكفر وذلك لم يثبت فوجب إجراؤه على ظاهره فإنه كان يجوز أن يؤمن فيصير من أهل الثواب ويجوز أن يصر فيموت على الكفر، فيكون من أهل العقاب، ومن كان كذلك كان خائفاً لا قاطعاً، واعلم أن من يظن وصول الضرر إلى غيره فإنه لا يسمى خائفاً إلا إذا كان بحيث يلزم من وصول ذلك الضرر إليه تألم قلبه كما يقال أنا خائف على ولدي أما قوله :﴿فَتَكُونَ للشيطان وَلِيّاً﴾ فذكروا في الولي وجوهاً : أحدها : أنه إذا استوجب عذاب الله كان مع الشيطان في النار والولاية سبب للمعية وإطلاق اسم السبب على المسبب مجاز وإن لم يجز حمله إلى الولاية الحقيقية لقوله تعالى :﴿الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين﴾ [ الزخرف : ٦٧ ] وقال :﴿ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً﴾ [ العنكبوت : ٢٥ ] وحكى عن الشيطان أنه يقول لهم :﴿إِنّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] واعلم أن هذا الإشكال إنما يتوجه إذا كان المراد من العذاب عذاب الآخرة، أما إذا كان المراد منه عذاب الدنيا فالإشكال ساقط.
وثانيها ؛ أن يحمل العذاب على الخذلان أي إني أخاف أن يمسك خذلان الله فتصير موالياً للشيطان ويبرأ الله منك على ما قال تعالى :﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً مّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً﴾ [ النساء : ١١٩ ].
وثالثها : ولياً أي تالياً للشيطان، تليه كما يسمى المطر الذي يأتي تالياً ولياً فإن قيل قوله :﴿أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرحمن فَتَكُونَ للشيطان وَلِيّاً﴾ يقتضي أن تكون ولاية الشيطان أسوأ حالاً من العذاب نفسه وأعظم، فما السبب لذلك.


الصفحة التالية
Icon