ثم قال بعد ذلك :﴿وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [ التوبة : ١١٤ ] فدلت الآية على أنه وعده بالاستغفار لو آمن، فلما لم يؤمن لم يستغفر له بل تبرأ منه، فإن قيل فإذا كان الأمر كذلك فلم منعنا من التأسي به في قوله :﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إبراهيم﴾ [ الممتحنة : ٤ ] إلى قوله ﴿إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [ الممتحنة : ٤ ] قلنا الآية تدل على أنه لا يجوز لنا التأسي به في ذلك لكن المنع من التأسي به في ذلك لا يدل على أن ذلك كان معصية.
فإن كثيراً من الأشياء هي من خواص رسول الله ﷺ ولا يجوز لنا التأسي به مع أنها كانت مباحة له عليه السلام.
ورابعها : لعل هذا الاستغفار كان من باب ترك الأولى وحسنات الأبرار سيئآت المقربين، أما قوله :﴿إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً﴾ أي لطيفاً رفيقاً يقال أحفى فلان في المسألة بفلان إذا لطف به وبالغ في الرفق، ومنه قوله تعالى :﴿وإِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ﴾ [ محمد : ٣٧ ] أي وإن لطفت المسألة والمراد أنه سبحانه للطفه بي وإنعامه عليّ عودني الإجابة فإذا أنا استغفرت لك حصل المراد فكأنه جعله بذلك على يقين إن هو تاب أن يحصل له الغفران.


الصفحة التالية
Icon