وذكره القشيري قال : فلم يبرح من مكانه سنة حتى أتاه جبريل عليه السلام ؛ فقال : إن التاجر الذي سألك أن تقعد له حتى يعود هو إبليس فلا تقعد ولا كرامة له.
وهذا بعيد ولا يصح.
وقد قيل : إن إسماعيل لم يَعِد شيئاً إلا وَفَّى به، وهذا قول صحيح، وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية ؛ والله أعلم.
الثالثة : من هذا الباب قوله ﷺ :" العِدة دَيْن " وفي الأثر "وأي المؤمن واجب" أي في أخلاق المؤمنين.
وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضاً لإجماع العلماء على ما حكاه أبو عمر أن من وعد بمال ما كان ليَضْرِب به مع الغرماء ؛ فلذلك قلنا إيجاب الوفاء به حسن مع المروءة، ولا يقضى به.
والعرب تمتدح بالوفاء، وتذم بالخلف والغدر، وكذلك سائر الأمم، ولقد أحسن القائل :
متى ما يقلْ حُرٌّ لصاحبِ حاجةٍ...
نَعَمْ يقضِها والحرُّ لِلوايِ ضامن
ولا خلاف أن الوفاء يستحق صاحبه الحمد والشكر، وعلى الخلف الذم.
وقد أثنى الله تبارك وتعالى على من صدق وعده، ووفى بنذره ؛ وكفى بهذا مدحاً وثناء، وبما خالفه ذماً.
الرابعة : قال مالك : إذا سأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له : نعم، ثم يبدو له ألا يفعل فما أرى يلزمه.
قال مالك : ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله أن يقضيه عنه فقال نعم، وثَمَّ رجال يشهدون عليه فما أحراه أن يلزمه إذا شهد عليه اثنان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعيّ والشافعي وسائر الفقهاء : إن العِدة لا يلزم منها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة، وفي غير العارية هي أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض فلصاحبها الرجوع فيها.
وفي البخاري ﴿ واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد ﴾ ؛ وقضى ابن أَشْوَع بالوعد وذكر ذلك عن سَمُرة بن جُنْدب.
قال البخاري : ورأيت إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن أَشْوَع.
الخامسة :﴿ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً ﴾ قيل : أرسل إسماعيل إلى جُرْهم.


الصفحة التالية
Icon