فصل
قال الفخر :
قوله :﴿تِلْكَ الجنة التى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً﴾
وفيه أبحاث : الأول : قوله :﴿تِلْكَ الجنة﴾ هذه الإشارة إنما صحت لأن الجنة غائبة.
وثانيها : ذكروا في نورث وجوهاً الأول : نورث استعارة أي نبقي عليه الجنة كما نبقي على الوارث مال المورث.
الثاني : أن المراد أنا ننقل تلك المنازل ممن لو أطاع لكانت له إلى عبادنا الذين اتقوا ربهم فجعل هذا النقل إرثاً قاله الحسن.
الثالث : أن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة وقد انقضت أعمالهم وثمراتها باقية وهي الجنة فإذا أدخلهم الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يرث الوارث المال من المتوفى.
ورابعها : معنى من كان تقياً من تمسك باتقاء معاصيه وجعله عادته واتقى ترك الواجبات، قال القاضي : فيه دلالة على أن الجنة يختص بدخولها من كان متقياً والفاسق المرتكب للكبائر لا يوصف بذلك.
والجواب : الآية تدل على أن المتقي يدخلها وليس فيها دلالة على أن غير المتقي لا يدخلها وأيضاً فصاحب الكبيرة متق عن الكفر ومن صدق عليه أنه متق عن الكفر فقد صدق عليه أنه متق لأن المتقي جزء من مفهوم قولنا المتقي عن الكفر وإذا كان صاحب الكبيرة يصدق عليه أنه متق وجب أن يدخل تحته فالآية بأن تدل على أن صاحب الكبيرة يدخل الجنة أولى من أن تدل على أنه لا يدخلها.
﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) ﴾
اعلم أن في الآية إشكالاً وهو أو قوله :﴿تِلْكَ الجنة التى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً﴾ [ مريم : ٦٣ ] كلام الله وقوله :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ﴾ كلام غير الله فكيف جاز عطف هذا على ما قبله من غير فصل.