والجواب أنه إذا كانت القرينة ظاهرة لم يقبح كما أن قوله سبحانه :﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ [ البقرة : ١١٧ ] هو كلام الله وقوله :﴿وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ﴾ [ آل عمران : ٥١ ] كلام غير الله وأحدهما معطوف على الآخر، واعلم أن ظاهر قوله تعالى :﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ﴾ خطاب جماعة لواحد وذلك لا يليق إلا بالملائكة الذين ينزلون على الرسول ويحتمل في سببه ما روي أن قريشاً بعثت خمسة رهط إلى يهود المدينة يسألونهم عن صفة محمد ﷺ وهل يجدونه في كتابهم فسألوا النصارى فزعموا أنهم لا يعرفونه وقالت اليهود : نجده في كتابنا وهذا زمانه وقد سألنا رحمن اليمامة عن خصال ثلاث فلم يعرف فاسألوه عنهن فإن أخبركم بخصلتين منهما فاتبعوه، فاسألوه عن فتية أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح قال فجاءوا فسألوه عن ذلك لم يدر كيف يجيب فوعدهم أن يجيبهم بعد ذلك، ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه أربعين يوماً وقيل خمسة عشر يوماً فشق عليه ذلك مشقة شديدة وقال المشركون ودعه ربه وقلاه، فنزل جبريل عليه السلام فقال له النبي ﷺ أبطأت عني حتى ساء ظني واشتقت إليك قال إني كنت أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل قوله :﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ [ الكهف : ٢٣، ٢٤ ] وسورة الضحى ثم أكدوا ذلك بقولهم :﴿لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾ أي هو المدبر لنا في كل الأوقات الماضي والمستقبل وما بينهما أو الدنيا والآخرة وما بينهما فإنه يعلم إصلاح التدبير مستقبلاً وماضياً وما بينهما والغرض أن أمرنا موكول إلى الله تعالى يتصرف فينا بحسب مشيئته وإرادته وحكمته لا اعتراض لأحد عليه فيه وقال أبو مسلم قوله :{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ