فصل
قال الفخر :
﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) ﴾
اعلم أنه تعالى لما أمر بالعبادة والمصابرة عليها فكأن سائلاً سأل وقال هذه العبادات لا منفعة فيها في الدنيا، وأما في الآخرة فقد أنكرها قوم فلا بد من ذكر الدلالة على القول بالحشر حتى يظهر أن الاشتغال بالعبادة مفيد فلهذا حكى الله تعالى قول منكري الحشر فقال :﴿وَيَقُولُ الإنسان أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً﴾ وإنما قالوا ذلك على وجه الإنكار والاستبعاد، وذكروا في الإنسان وجهين : أحدهما : أن يكون المراد الجنس بأسره فإن قيل كلهم غير قائلين بذلك فكيف يصح هذا القول ؟ قلنا الجواب من وجهين : الأول : أن هذه المقالة لما كانت موجودة فيما هو من جنسهم صح إسنادها إلى جميعهم، كما يقال : بنو فلان قتلوا فلاناً وإنما القاتل رجل منهم.
والثاني : أن هذا الاستبعاد موجود ابتداء في طبع كل أحد إلا أن بعضهم ترك ذلك الاستبعاد المبني على محض الطبع بالدلالة القاطعة التي قامت على صحة القول به.
الثاني : أن المراد بالإنسان شخص معين فقيل : هو أبو جهل، وقيل : هو أبي بن خلف، وقيل : المراد جنس الكفار القائلين بعدم البعث، ثم إن الله تعالى أقام الدلالة على صحة البعث بقوله :﴿أَوْ لاَ يَذْكُرُ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ والقراء كلهم على ﴿يُذْكَرِ﴾ بالتشديد إلا نافعاً وابن عامر وعاصماً فقد خففوا، أي أو لا يتذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل وإذا قرىء أو لا يذكر فهو أقرب إلى المراد إذ الغرض التفكر والنظر في أنه إذا خلق من قبل لا من شيء فجائز أن يعاد ثانياً.