هذا، وبعد أن شرفه اللّه بالنبوة وقوى عزمه بما منّ عليه من تلك المعجزات، وشحه بالرسالة العظمى وقال له "اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى " ٢٤ وبغى وتجاوز الحد في التّمرد وحتى ادعى الإلهية بطرا، ودعته نفسه الخبيثة إلى هذا التجبّر والتكبر الذي لم يسبقه به إلا أخوه نمرود، الآتية قصّته في الآية ٧١ من سورة الأنبياء في ج ٢، وفرعون علم لملك مصر واسمه الوليد بن الريان، ولما رأى موسى فضل ربه عليه وعطفه ولطفه به استمطر خيره، وطلب من فيضه ما ألهمه به "قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي" ٢٥ وسّعه لتحمل مشاق سيئي الأخلاق وإملائه معرفة بك وعرفانا منك لأجابهه بقوة سلطانك وعظمة قهرك "وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي" ٢٦ بالوصول إليه وسهل لي كل صعب ألاقيه في طريقي إليه وفي مقابلتي له "وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ٢٧ يَفْقَهُوا قَوْلِي" ٢٨ لأعبّر عما في جناني بطلاقة وفصاحة لمن أرسلتني إليهم
ولأبلغ رسالتك على الوجه الأتم الأكمل، وسبب حصول هذه العقدة على ما قيل ان موسى عليه السلام لما كان في حجر فرعون حال صغره لطمه، وأخذ بلحيته فتطيّر منه وهم بقتله فمنعته زوجته آسيا رحمها اللّه قالت له أتركه فإنه لا يعقل، وجربه إن شئت، فقال كيف وقد فعل ما فعل ؟ فقالت على رسلك وانظر، فوضعت في طست جمرا وتمرا وياقوتا وقدمته له ثم أشارت إليه أن يأخذ أحدها فأراد أن يأخذ الياقوت ومد يده إليها فحرفها جبريل عليه السلام إلى الجمر فأخذ جمرة ووضعها في فمه فحرقت لسانه وسببت هذه العقدة فيه، فلما رأى فرعون ذلك تركه إذ ظهر له ما قالت آسيا رحمها اللّه.


الصفحة التالية
Icon