اختلفوا في أن موسى عليه السلام كيف عرف أن المنادي هو الله تعالى فقال أصحابنا : يجوز أن يخلق الله تعالى له علماً ضرورياً بذلك ويجوز أن يعرفه بالمعجزة، قالت المعتزلة : أما العلم الضروري فغير جائز لأنه لو حصل العلم الضروري بكون هذا النداء كلام الله تعالى لحصل العلم الضروري بوجود الصانع العالم القادر لاستحالة أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات تكون معلومة بالاستدلال ولو كان وجود الصانع تعالى معلوماً له بالضرورة لخرج موسى عن كونه مكلفاً لأن حصول العلم الضروري ينافي التكليف، وبالإتفاق لم يخرج موسى عن التكليف فعلمنا أن الله تعالى عرفه ذلك بالمعجز ثم اختلفوا في ذلك المعجز على وجوه.
أولها : منهم من قال نعلم قطعاً أن الله تعالى عرفه ذلك بواسطة المعجز ولا حاجة بنا إلى أن نعرف ذلك المعجز ما هو.
وثانيها : يروى أن موسى عليه السلام لما شاهد النور الساطع من الشجرة إلى السماء وسمع تسبيح الملائكة وضع يديه على عينيه فنودي يا موسى ؟ فقال : لبيك إني أسمع صوتك ولا أراك فأين أنت ؟ قال : أنا معك وأمامك وخلفك ومحيط بك وأقرب إليك منك.
ثم إن إبليس أخطر بباله هذا الشك وقال : ما يدريك أنك تسمع كلام الله ؟ فقال : لأني أسمعه من فوقي ومن تحتي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي كما أسمعه من قدامي، فعلمت أنه ليس بكلام المخلوقين.
ومعنى إطلاقه هذه الجهات أنى أسمعه بجميع أجزائي وأبعاضي حتى كأن كل جارحة مني صارت أذناً.
وثالثها : لعله سمع النداء من جماد كالحصى وغيرها فيكون ذلك معجزاً.
ورابعها : أنه رأى النار في الشجرة الخضراء بحيث أن تلك الخضرة ما كانت تطفىء تلك النار وتلك النار ما كانت تضر تلك الخضرة، وهذا لا يقدر عليه أحد إلا الله سبحانه.
المسألة السابعة :
قالوا : إن تكرير الضمير في ﴿إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ﴾ كان لتوليد الدلالة وإزالة الشبهة.
المسألة الثامنة :
ذكروا في قوله :﴿فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ وجوهاً.