ذكروا في سبب نزول الآية وجوهاً : أحدها : قال مقاتل إن أبا جهل والوليد بن المغيرة ومطعم بن عدي والنضر بن الحارث قالوا لرسول الله ﷺ : إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك فقال عليه السلام :" بل بعثت رحمة للعالمين " قالوا : بل أنت تشقى فأنزل الله تعالى هذه الآية رداً عليهم وتعريفاً لمحمد ﷺ بأن دين الإسلام هو السلام وهذا القرآن هو السلام إلى نيل كل فوز والسبب في إدراك كل سعادة وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها.
وثانيها : أنه عليه السلام صلى بالليل حتى تورمت قدماه فقال له جبريل عليه السلام :" أبق على نفسك فإن لها عليك حقاً " أي ما أنزلناه لتهلك نفسك بالعبادة وتذيقها المشقة العظيمة وما بعثت إلا بالحنيفية السمحة، وروي أيضاً أنه عليه السلام :" كان إذا قام من الليل ربط صدره بحبل حتى لا ينام " وقال بعضهم كان يقوم على رجل واحدة، وقال بعضهم كان يسهر طول الليل فأراد بقوله :﴿لتشقى﴾ ذلك، قال القاضي هذا بعيد لأنه عليه السلام إن فعل شيئاً من ذلك فلا بد وأن يكون قد فعله بأمر الله تعالى، وإذا فعله بأمره فهو من باب السعادة فلا يجوز أن يقال له : ما أمرناك بذلك.
وثالثها : قال بعضهم يحتمل أن يكون المراد لا تشق على نفسك ولا تعذبها بالأسف على كفر هؤلاء فإنا إنما أنزلنا عليك القرآن لتذكر به، فمن آمن وأصلح فلنفسه ومن كفر فلا يحزنك كفره فما عليك إلا البلاغ وهو كقوله تعالى :﴿لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ﴾ [ الكهف : ٦ ] الآية، ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ [ يونس : ٦٥ ].
ورابعها : أنك لا تلام على كفر قومك كقوله تعالى :﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بمصيطر﴾ [ الغاشية : ٢٢ ]، ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ [ الأنعام : ١٠٧ ] أي ليس عليك كفرهم إذا بلغت ولا تؤاخذ بذنبهم.