قال القاضي قوله :﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ﴾ يدل على أن العباد هم الذين يصدون ولو كان تعالى هو الخالق لأفعالهم لكان هو الصاد دونهم فدل ذلك على بطلان القول بالجبر، والجواب : المعارضة بمسألة العلم والداعي، والله أعلم، أما قوله تعالى :﴿واتبع هَوَاهُ﴾ فالمعنى أن منكر البعث إنما أنكره اتباعاً للهوى لا لدليل وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد لأن المقلد متبع للهوى لا الحجة أما قوله :﴿فتردى﴾ فهو بمعنى ولا يصدنك فتردى وإن صدوك وقبلت فليس إلا الهلاك بالنار.
واعلم أن المتوغلين في أسرار المعرفة قالوا : المقام مقامان.
أحدهما : مقام المحو والفناء عما سوى الله تعالى.
والثاني : مقام البقاء بالله والأول مقدم على الثاني لأن من أراد أن يكتب شيئاً في لوح مشغول بكتابة أخرى فلا سبيل له إليه إلا بإزالة الكتابة الأولى ثم بعد ذلك يمكن إثبات الكتابة الثانية والحق سبحانه راعى هذا الترتيب الحسن في هذا الباب لأنه قال لموسى عليه السلام اولا :﴿فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ وهو إشارة إلى تطهير السر عما سوى الله تعالى ثم بعد ذلك أمره بتحصيل ما يجب تحصيله وأصول هذا الباب ترجع إلى ثلاثة : علم المبدأ وعلم الوسط وعلم المعاد، فعلم المبدأ هو معرفة الحق سبحانه وتعالى وهو المراد بقوله :


الصفحة التالية
Icon