وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ أكادُ أخفيها ﴾
أكثر القراء على ضم الألف.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها : أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين.
وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، ومحمد بن عليّ : أكاد أخفيها من نفسي، قال الفراء : المعنى : فكيف أُظهركم عليها؟! قال المبرِّد : وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمتُه حتى مِنْ نَفْسي، أي : لم أُطلع عليه أحداً.
والثاني : أن الكلام تم عند قوله :"أكاد"، وبعده مضمر تقديره : أكاد آتي بها، والابتداء : أخفيها، قال ضابىء البرجمي :
هَمَمْتُ ولَم أَفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي...
تَرَكْتُ على عُثْمانَ تَبْكِي حَلاَئِلُهْ
أراد : كدتُ أفعل.
والثالث : أن معنى "أكاد" : أريد، قال الشاعر :
كادَتْ وكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ...
لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبابَة مَا مَضَى
معناه : أرادت وأردتُ، ذكرهما ابن الأنباري.
فإن قيل : فما فائدة هذا الإِخفاء الشديد؟
فالجواب : أنه للتحذير والتخويف، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوُّه كان أشد حذراً.
وقرأ سعيد بن جبير، وعروة ابن الزبير، وأبو رجاء العطاردي، وحميد بن قيس، "أَخفيها" بفتح الألف.
قال الزجاج : ومعناه : أكاد أظهرها، قال امرؤ القيس :
فإنْ تَدفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ...
وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ
أي : إِن تدفنوا الداء لا نُظهره.
قال : وهذه القراءة أَبْيَن في المعنى، لأن معنى "أكاد أُظهرها" : قد أخفيتُها وكدت أُظهرها.
﴿ لتُجزى كُلُّ نَفْسٍ بما تسعى ﴾ أي : بما تعمل.
و"لتُجزى" متعلق بقوله :"إِن الساعة آتية" لتجزى، ويجوز أن يكون على "أقم الصلاة لذكري" لتجزى.