ورابعها : أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولاً بغير الله تعالى فإنه لا يكون داعياً لله تعالى فإذا فنى عن الكل وصار مستغرقاً بمعرفة الله الأحد الحق امتنع أن يبقى في مقام الفناء عن غير الله مع الالتفات إلى غير الله تعالى فلا جرم رفعت الواسطة من البين فما قال : فقل إني قريب بل قال :﴿فَإِنّي قَرِيبٌ﴾ فثبت بما تقرر فضل الدعاء وأنه من أعظم القربات ثم من شأن العبد إذا أراد أن يتحف مولاه أن لا يتحفه إلا بأحسن التحف والهدايا فلا جرم أول ما أراد موسى أن يتحف الحضرة الإلهية بتحف الطاعات والعبادات أتحفها بالدعاء فلا جرم قال :﴿رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي ﴾.
والوجه الثاني : في بيان فضل الدعاء قوله عليه السلام :" الدعاء مخ العبادة " ثم إن أول شيء أمر الله تعالى به موسى عليه السلام ( العبادة ) لأن قوله :﴿إِنَّنِى أَنَا الله﴾ [ طه : ١٤ ] إخبار وليس بأمر إنما الأمر قوله :﴿فاعبدنى﴾ [ طه : ١٤ ] فلما كان أول ما أورد على موسى من الأوامر هو الأمر بالعبادة لا جرم أول ما أتحف به موسى عليه السلام حضرة الربوبية من تحف العبادة هو تحفة الدعاء فقال :﴿رَبّ اشرح لِى صَدْرِى ﴾.
والوجه الثالث : وهو أن الدعاء نوع من أنواع العبادة فكما أنه سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والصوم فكذلك أمر بالدعاء ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].
﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [ غافر : ٦٠ ].
﴿وادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [ الأعراف : ٥٦ ].
﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [ الأعراف : ٥٥ ].
﴿هُوَ الحى لاَ إله إِلاَّ هُوَ فادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ [ غافر : ٦٥ ].
﴿قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن﴾ [ الإسراء : ١١٠ ].