وربما توغلت السفينة في جنوب الجهالات فتنكسر وتغرق فحيثما تكون السفينة في ملتطم أمواج العزة يحتاج حافظ السفينة إلى التماس الأنوار والهدايات فيقول هناك :﴿رَبّ اشرح لِى صَدْرِى﴾ واعلم أن العقل إذا أخذ في الترقي من سفل الإمكان إلى علو الوجوب كثر اشتغاله بمطالعة الماهيات ومقارفة المجردات والمفارقات، ومعلوم أن كل ماهية فهي إما هي معه أو هي له، فإن كانت هي معه امتلأت البصيرة من أنوار جلال العزة الإلهية فلا يبقى هناك مستطلعاً لمطالعة سائر الأنوار فيضمحل كل ما سواه من بصر وبصيرة، وإن وقعت المطالعة لما هو له حصلت هناك حالة عجيبة، وهي أنه لو وضعت كرة صافية من البلور فوقع عليها شعاع الشمس فينعكس ذلك الشعاع إلى موضع معين فذلك الموضع الذي إليه تنعكس الشعاعات يحترق فجميع الماهيات الممكنة كالبلور الصافي الموضوع في مقابلة شمس القدس ونور العظمة ومشرق الجلال، فإذا وقع للقلب التفات إليها حصلت للقلب نسبة إليها بأسرها فينعكس شعاع كبرياء الإلهية عن كل واحد منها إلى القلب فيحترق القلب، ومعلوم أنه كلما كان المحرق أكثر، كان الإحتراق أتم فقال :﴿رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي﴾ حتى أقوى على إدراك درجات الممكنات فأصل إلى مقام الاحتراق بأنوار الجلال، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام :
" أرنا الأشياء كما هي " فلما شاهد احتراقها بأنوار الجلال قال :" لا أحصى ثناء عليك ".
الفصل السابع : في بقية الأبحاث إنما قال :﴿رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي﴾ ولم يقل رب اشرح صدري ليظهر أن منفعة ذلك الشرح عائدة إلى موسى عليه السلام لا إلى الله، وأما كيفية شرح صدر رسول الله ﷺ والمفاضلة بينه وبين شرح صدر موسى عليه السلام فنذكره إن شاء الله في تفسير قوله :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [ الشرح : ١ ]، والله أعلم بالصواب.