وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى ﴾
لما آنسه بالعصا واليد، وأراه ما يدل على أنه رسول، أمره بالذهاب إلى فرعون، وأن يدعوه.
"طغى" معناه عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحد.
﴿ قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لي أَمْرِي * واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي ﴾ طلب الإعانة لتبليغ الرسالة.
ويقال : إن الله أعلمه بأنه ربط على قلب فرعون وأنه لا يؤمن ؛ فقال موسى : يا رب فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطت على قلبه ؛ فأتاه ملك من خزان الريح فقال : يا موسى انطلق إلى ما أمرك الله به.
فقال موسى عند ذلك :﴿ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي ﴾ أي وسِّعه ونوّره بالإيمان والنبوّة.
﴿ وَيَسِّرْ لي أَمْرِي ﴾ أي سهّل عليّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون.
﴿ واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾ يعني العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أطفأها في فِيهِ وهو طفل.
قال ابن عباس : كانت في لسانه رُتَّة.
وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم وهو طفل فلطمه لطمة، وأخذ بلحيته فنتفها فقال فرعون لآسية : هذا عدوّي فهات الذبّاحين.
فقالت آسية : على رِسْلك فإنه صبيّ لا يفرق بين الأشياء.
ثم أتت بطَسْتين فجعلت في أحدهما جمراً وفي الآخر جوهراً، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرة ووضعها في فيه على لسانه، فكانت تلك الرتّة.
وروي أن يده احترقت وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ.
ولما دعاه قال : إلى أيّ ربٍّ تدعوني؟ قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها.
وعن بعضهم : إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قَصْعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة.
ثم اختلف هل زالت تلك الرتّة ؛ فقيل : زالت بدليل قوله :﴿ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا موسى ﴾.