إحداها : أنه قال :﴿هِىَ عَصَاىَ﴾ فذكر العصا ومن كان قلبه مشغولاً بالعصا ومنافعها كيف يكون مستغرقاً في بحر معرفة الحق ولكن محمداً ﷺ عرض عليه الجنة والنار فلم يلتفت إلى شيء :
﴿مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى﴾ [ النجم : ١٧ ] ولما قيل له امدحنا، قال :" لا أحصي ثناء عليك " ثم نسي نفسه ونسي ثناءه فقال :" أنت كما أثنيت على نفسك " وثانيها : لما قال :﴿عَصَاىَ﴾ قال الله سبحانه وتعالى :﴿أَلْقَِهَا﴾، فلما ألقاها ﴿فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى﴾ ليعرف أن كل ما سوى الله فالالتفات إليه شاغل وهو كالحية المهلكة لك.
ولهذا قال الخليل عليه السلام :﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العالمين﴾ [ الشعراء : ٧٧ ] وفي الحديث :" يجاء يوم القيامة بصاحب المال الذي لم يؤد زكاته ويؤتى بذلك المال على صورة شجاع أقرع " الحديث بتمامه.
وثالثها : أنه قال هي عصاي فقد تم الجواب، إلا أنه عليه السلام ذكر الوجوه الآخر لأنه كان يحب المكالمة مع ربه فجعل ذلك كالوسيلة إلى تحصيل هذا الغرض.
الثاني : قوله :﴿أتوكأ عليها﴾ والتوكي، والإتكاء، واحد كالتوقي، والإتقاء معناه اعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع أو عند الطفرة فجعل موسى عليه السلام نفسه متوكئاً على العصا وقال الله تعالى لمحمد ﷺ :" اتكىء على رحمتي " بقوله تعالى :﴿يا أيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ [ الأنفال : ٦٤ ] وقال :﴿والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس﴾ [ المائدة : ٦٧ ] فإن قيل : أليس قوله :﴿وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ يقتضي كون محمد يتوكأ على المؤمنين ؟ قلنا قوله :﴿وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين﴾ معطوف على الكاف في قوله :﴿حَسْبَكَ الله﴾ والمعنى الله حسبك، وحسب من اتبعك من المؤمنين.
الثالث : قوله :﴿وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي﴾ أي أخبط بها فأضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها على غنمي فتأكله.


الصفحة التالية
Icon