ورابعها : أنه بسبب اللطف انطلق لسانه ثم غلبته الدهشة فانقطع لسانه وتشوش فكره فأجمل مرة أخرى، ثم قال وهب : كانت ذات شعبتين كالمحجن، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا حاول كسره لواه بالشعبتين، [ و] إذا سار وضعها على عاتقه يعلق فيها أدواته من القوس والكنانة والثياب، وإذا كان في البرية ركزها وألقى كساء عليها فكانت ظلاً.
وقيل : كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلواً ويصيران شمعتين في الليالي، وإذا ظهر عدو حاربت عنه.
وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت.
وكان يحمل عليها زاده وماءه وكانت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نصب وكانت تقيه الهوام.
واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكر هذه الجوابات أمره الله تعالى بإلقاء العصا فقال :﴿أَلْقِهَا ياموسى﴾ وفيه نكت، إحداها : أنه عليه السلام لما قال :﴿وَلِىَ فِيهَا مآرِبُ أخرى﴾ أراد الله أن يعرفه أن فيها مأربة أخرى لا يفطن لها ولا يعرفها وأنها أعظم من سائر مآربه فقال :﴿أَلْقِهَا ياموسى * فألقاها فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى ﴾.
وثانيتها : كان في رجله شيء وهو النعل وفي يده شيء وهو العصا، والرجل آلة الهرب واليد آلة الطلب فقال أولاً :﴿فاخلع نَعْلَيْكَ﴾ [ طه : ١٢ ] إشارة إلى ترك الهرب، ثم قال ألقها يا موسى وهو إشارة إلى ترك الطلب.
كأنه سبحانه قال : إنك ما دمت في مقام الهرب والطلب كنت مشتغلاً بنفسك وطالباً لحظك فلا تكون خالصاً لمعرفتي فكن تاركاً للهرب والطلب لتكون خالصاً لي.
وثالثتها : أن موسى عليه السلام مع علو درجته، وكمال منقبته لما وصل إلى الحضرة ولم يكن معه إلا النعلان والعصا أمره بالقائهما حتى أمكنه الوصول إلى الحضرة فأنت مع ألف وقر من المعاصي كيف يمكنك الوصول إلى جنابه.


الصفحة التالية
Icon