ورابعتها : أن محمداً ﷺ كان مجرداً عن الكل ما زاغ البصر فلا جرم وجد الكل، لعمرك أما موسى لما بقي معه تلك العصا لا جرم أمره بإلقاء العصا، واعلم أن الكعبي تمسك به في أن الاستطاعة قبل الفعل فقال : القدرة على إلقاء العصا، إما أن توجد والعصا في يده أو خارجة من يده فإن أتته القدرة وهي في يده فذاك قولنا :
﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ﴾ [ آل عمران : ١٨٢ ] وإذا أتته وليست في يده وإنما استطاع أن يلقي من يده ما ليس في يده فذلك محال، أما قوله :﴿فألقاها فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى﴾ ففيه أسئلة : السؤال الأول : ما الحكمة في قلب العصا حية في ذلك الوقت ؟ الجواب فيه وجوه : أحدها : أنه تعالى قلبها حية لتكون معجزة لموسى عليه السلام يعرف بها نبوة نفسه وذلك لأنه عليه السلام إلى هذا الوقت ما سمع إلا النداء، والنداء وإن كان مخالفاً للعادات إلا أنه لم يكن معجزاً لاحتمال أن يكون ذلك من عادات الملائكة أو الجن فلا جرم قلب الله العصا حية ليصير ذلك دليلاً قاهراً والعجب أن موسى عليه السلام قال : أتوكأ عليها فصدقه الله تعالى فيه وجعلها متكأ له بأن جعلها معجزة له.
وثانيها : أن النداء كان إكراماً له فقلب العصا حية مزيداً في الكرامة ليكون توالي الخلع والكرامات سبباً لزوال الوحشة عن قلبه.
وثالثها : أنه عرض عليه ليشاهده أولاً فإذا شاهده عند فرعون لا يخافه.
ورابعها : أنه كان راعياً فقيراً ثم إنه نصب للمنصب العظيم فلعله بقي في قلبه تعجب من ذلك فقلب العصا حية تنبيهاً على أني لما قدرت على ذلك فكيف يستبعد مني نصرة مثلك في إظهار الدين.


الصفحة التالية
Icon