وخامسها : أنه لما قال :﴿قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا﴾ إلى قوله :﴿وَلِىَ فِيهَا مَآَرِبُ أخرى﴾ فقيل له :﴿أَلْقَِهَا﴾ فلما ألقاها وصارت حية فر موسى عليه السلام منها فكأنه قيل له : ادعيت أنها عصاك وأن لك فيها مآرب أخرى فلم تفر منها، تنبيهاً على سر قوله :﴿فَفِرُّواْ إِلَى الله﴾ [ الذاريات : ٥٠ ] وقوله :﴿قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ [ الأنعام : ٩١ ].
السؤال الثاني : قال ههنا حية وفي موضع آخر ثعبان وجان، أما الحية فاسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير، وأما الثعبان والجان فبينهما تناف لأن الثعبان العظيم من الحيات والجان الدقيق وفيه وجهان : أحدهما : أنها كانت وقت انقلابها حية صغيرة دقيقة ثم تورمت وتزايد جرمها حتى صارت ثعباناً فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها.
والثاني : أنها كانت في شخص الثعبان وسرعة حركة الجان، والدليل عليه قوله تعالى :﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾.
السؤال الثالث : كيف كانت صفة الحية.
الجواب كان لها عرف كعرف الفرس وكان بين لحييها أربعون ذراعاً، وابتلعت كل ما مرت به من الصخور والأشجار حتى سمع موسى صرير الحجر في فمها وجوفها، أما قوله تعالى :﴿قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى﴾ ففيه سؤالات : السؤال الأول : لما نودي موسى وخص بتلك الكرامات العظيمة وعلم أنه معبوث من عند الله تعالى إلى الخلق فلم خاف.
والجواب من وجوه : أحدها : أن ذلك الخوف كان من نفرة الطبع لأنه عليه السلام ما شاهد مثل ذلك قط.
وأيضاً فهذه الأشياء معلومة بدلائل العقول.
وعند الفزع الشديد قد يذهل الإنسان عنه.
قال الشيخ أبو القاسم الأنصاري رحمه الله تعالى وذلك الخوف من أقوى الدلائل على صدقه في النبوة لأن الساحر يعلم أن الذي أتى به تمويه فلا يخافه ألبتة.
وثانيها : قال بعضهم : خافها لأنه عليه السلام عرف ما لقي آدم منها.


الصفحة التالية
Icon