فصل
قال الفخر :
واعلم أنه سبحانه وتعالى لما عدد عليه المنن الثمانية في مقابلة تلك الالتماسات الثمانية رتب على ذكر ذلك أمراً ونهياً، أما الأمر فهو أنه سبحانه وتعالى أعاد الأمر بالأول فقال :﴿اذهب أَنتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي﴾ واعلم أنه سبحانه وتعالى لما قال :﴿واصطنعتك لِنَفْسِي﴾ عقبه بذكر ماله اصطنعه وهو الإبلاغ والأداء ثم ههنا مسائل :
المسألة الأولى :
الباء ههنا بمعنى مع وذلك لأنهما لو ذهبا إليه بدون آية معهما لم يلزمه الإيمان وذلك من أقوى الدلائل على فساد التقليد.
المسألة الثانية :
اختلفوا في الآيات المذكورة ههنا على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها اليد والعصا لأنهما اللذان جرى ذكرهما في هذا الموضع وفي سائر المواضع التي اقتص الله تعالى فيها حديث موسى عليه السلام فإنه تعالى لم يذكر في شيء منها أنه عليه السلام قد أوتي قبل مجيئه إلى فرعون ولا بعد مجيئه حتى لقي فرعون فالتمس منه آية غير هاتين الآيتين قال تعالى عنه :﴿قَالَ فَأْتِ بآية إن كنت من الصادقين* فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَيْضَاء للناظرين﴾ [ الشعراء : ٣١ ٣٣ ] وقال :﴿فَذَانِكَ برهانان مِن رَّبّكَ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ [ القصص : ٣٢ ] فإذا قيل لهؤلاء كيف يطلق لفظ الجمع على الاثنين أجابوا بوجوه : الأول : أن العصا ما كانت آية واحدة بل كانت آيات فإن انقلاب العصا حيواناً آية ثم إنها في أول الأمر كانت صغيرة لقوله تعالى :
﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [ النمل : ١٠ ] ثم كانت تعظم وهذه آية أخرى، ثم كانت تصير ثعباناً وهذه آية أخرى.
ثم إن موسى عليه السلام كان يدخل يده في فيها فما كانت تضر موسى عليه السلام فهذه آية أخرى ثم كانت تنقلب خشبة فهذه آية أخرى، وكذلك اليد فإن بياضها آية وشعاعها آية أخرى ثم زوالهما بعد حصولهما آية أخرى فصح أنهما كانتا آيات كثيرة لا آيتان.