اختلفوا في قوله :﴿عِلْمُهَا عِندَ رَبّي فِى كتاب﴾ فإن العلم الذي يكون عند الرب كيف يكون في الكتاب ؟ وتحقيقه هو أن علم الله تعالى صفته وصفة الشيء قائمة به، فأما أن تكون صفة الشيء حاصلة في كتاب فذاك غير معقول فذكروا فيه وجهين : الأول : معناه أنه سبحانه أثبت تلك الأحكام في كتاب عنده لكون ما كتبه فيه يظهر للملائكة فيكون ذلك زيادة لهم في الاستدلال على أنه تعالى عالم بكل المعلومات منزه عن السهو والغفلة، ولقائل أن يقول قوله :﴿فِى كتاب﴾ يوهم احتياجه سبحانه وتعالى في ذلك العلم إلى ذلك الكتاب وهذا وإن كان غير واجب لا محالة ولكنه لا أقل من أنه يوهمه في أول الأمر لا سيما للكافر فكيف يحسن ذكره مع معاند مثل فرعون في وقت الدعوة ؟ الوجه الثاني : أن تفسير ذلك بأن بقاء تلك المعلومات في علمه سبحانه كبقاء المكتوب في الكتاب فيكون الغرض من هذا الكلام تأكيد القول بأن أسرارها معلومة لله تعالى بحيث لا يزول شيء منها عن علمه، وهذا التفسير مؤكد بقوله بعد ذلك :﴿لاَّ يَضِلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى ﴾.
المسألة الثانية :
اختلفوا في قوله :﴿لاَّ يَضِلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى﴾ فقال بعضهم معنى اللفظين واحد أي لا يذهب عليه شيء ولا يخفى عليه وهذا قول مجاهد والأكثرون على الفرق بينهما، ثم ذكروا وجوهاً.
أحدها : وهو الأحسن ما قاله القفال لا يضل عن الأشياء ومعرفتها وما علم من ذلك لم ينسه فاللفظ الأول إشارة إلى كونه عالماً بكل المعلومات واللفظ الثاني وهو قوله : ولا ينسى دليل على بقاء ذلك العلم أبد الآباد وهو إشارة إلى نفي التغير.
وثانيها : قال مقاتل : لا يخطىء ذلك الكتاب ربي ولا ينسى ما فيه.
وثالثها : قال الحسن لا يخطىء وقت البعث ولا ينساه.
ورابعها : قال أبو عمرو أصل الضلال الغيبوبة والمعنى لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.