وثالثها : قال صاحب "الكشاف" انتقل فيه من لفظ الغيبة إلى لفظ المتكلم المطاع للإيذان بأنه سبحانه وتعالى مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لأمره ومثله قوله تعالى :﴿وَهُوَ الذي أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَىْء﴾ [ الأنعام : ٩٩ ] ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾ [ فاطر : ٢٧ ] ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السموات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السماء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [ النمل : ٦٠ ] واعلم أن قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا﴾ إما أن يكون من كلام موسى عليه السلام أو من كلام الله تعالى والأول باطل لأن قوله بعد ذلك :﴿كُلُواْ وارعوا أنعامكم إِنَّ فِى ذلك لأيات لأُوْلِى النهى مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾ لا يليق بموسى عليه السلام وأيضاً فقوله :﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نبات شتى﴾ لا يليق بموسى لأن أكثر ما في قدرة موسى عليه السلام صرف المياه إلى سقي الأراضي وأما إخراج النبات على اختلاف ألوانها وطبائعها فليس من موسى عليه السلام فثبت أن هذا كلام الله ولا يجوز أن يقال كلام الله ابتداؤه من قوله :﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّن نبات شتى﴾ لأن الفاء يتعلق بما قبله فلا يجوز جعل هذا كلام الله تعالى وجعل ما قبله كلام موسى عليه السلام فلم يبق إلا أن يقال : إن كلام موسى عليه السلام تم عند قوله :﴿لاَّ يَضِلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى﴾ ثم ابتدىء كلام الله تعالى من قوله :﴿الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ ويكون التقدير هو الذي ﴿جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ فيكون الذي خبر مبتدأ محذوف ويكون الانتقال من الغيبة إلى الخطاب التفاتاً.
المسألة الثانية :