فهذا من أسحت فلما سمع السحرة هذه المقالة هالهم هذا المنزع ووقع في نفوسهم من مهابته أمر شديد ﴿ فتنازعوا ﴾ والتنازع يقتضي اختلافاً كان بينهم في السر أي قال بعضهم لبعض هو محق، وقال بعضهم هو مبطل، وقال بعضهم إن كان من عند الله فسيغلبنا ونحو هذا من الأقوال التي تعهد من الجموع الكثيرة في وقت الخوف كالحرب ونحو هذا، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى. وقالت فرقة إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا ﴿ إن هذان لساحران ﴾ ع والأظهر أن تلك قيلت علانية ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع، و﴿ النجوى ﴾ السرار والمساررة أي كان كل رجل يناجي من يليه، ثم جعلوا ذلك سراً مخافة فرعون أن يتبين فيهم ضعفاً لأنهم لم يكونوا حينئذ مصممين على غلبة موسى بل كان ظناً من بعضهم، وقوله تعالى :﴿ إن هذان لساحران ﴾ الآية، قرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي " إنّ " مشددة النون " هذان " بألف ونون مخففة للتثنية. وقرأ أبو عمرو وحده " إن هذين لساحران " وقرأ ابن كثير " إن هذان " بتخفيف نون " إنْ " وتشديد نون " هذان لسحران " وقرأ حفص عن عاصم " إن " بالتخفيف " هذان " خفيفة أيضاً " لساحران " وقرأت فرقة " إن هذان إلا ساحران "، وقرأت فرقة " إن ذان لساحران "، وقرأت فرقة " ما هذان إلا ساحران "، وقرأت فرقة " إن هذان " بتشديد النون من " هذان ". فأما القراءة الأولى فقالت فرقة قوله " إن " بمعنى نعم كما روي أن رسول الله ﷺ، قال في خطبته :" إن الحمدُ لله " فرفع الحمد وقال ابن الزبير إن وراكبها حين قال له الرجل فأبعد الله ناقة حملتني إليك ويلحق هذا التأويل أن اللام لا تدخل في خبر الإبتداء وهو مما يجوز في الشعر ومنه قول الشاعر :[ الرجز ]
أم الحليس لعجوز شهربه... ترضى من اللحم بعظم الرقبة