وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً ﴾
لما رأوا من عظيم الأمر وخرق العادة في العصا ؛ فإنها ابتلعت جميع ما احتالوا به من الحبال والعصيّ ؛ وكانت حمل ثلاثمائة بعير ثم عادت عصاً لا يعلم أحد أين ذهبت الحبال والعصيّ إلا الله تعالى.
وقد مضى في "الأعراف" هذا المعنى وأمر العصا مستوفى.
﴿ قالوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى.
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ ﴾ أي به ؛ يقال : آمن له وآمن به ؛ ومنه ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ﴾ [ العنكبوت : ٢٦ ] وفي الأعراف ﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾.
إنكار منه عليهم ؛ أي تعديتم وفعلتم ما لم آمركم به.
﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر ﴾.
أي رئيسكم في التعليم، وإنما غلبكم لأنه أحذق به منكم.
وإنما أراد فرعون بقوله هذا ليشبه على الناس حتى لا يتبعوهم فيؤمنوا كإيمانهم، وإلا فقد علم فرعون أنهم لم يتعلموا من موسى، بل قد علموا السحر قبل قدوم موسى وولادته.
﴿ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل ﴾ أي على جذوع النخل.
قال سويد بن أبي كاهل :
هُم صَلَبُوا العبديّ في جذع نخلةٍ...
فلا عَطَستْ شيبانُ إلا بأَجْدَعَا
فقطّع وصلّب حتى ماتوا رحمهم الله تعالى.
وقرأ ابن محيصن هنا وفي الأعراف "فَلأَقْطَعَنَّ"، و"لأَصْلِبَنَّكُمْ" بفتح الألف والتخفيف من قَطَع وصَلَب.
﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وأبقى ﴾ يعني أنا أم ربُّ موسى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١١ صـ ﴾