وقال أبو حيان :
﴿ فَأُلْقِي السحرة سجداً ﴾
وجاء التركيب ﴿ فألقي السحرة ﴾ ولم يأت فسجدوا كأنه جاءهم أمر وأزعجهم وأخذهم فصنع بهم ذلك، وهو عبارة عن سرعة ما تأثروا لذلك الخارق العظيم فلم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين.
وقدم موسى في الأعراف وأخر هارون لأجل الفواصل ولكون موسى هو المنسوب إليه العصا التي ظهر فيها ما ظهر من الإعجاز، وأخر موسى لأجل الفواصل أيضاً كقوله ﴿ لكان لزاماً وأجل مسمى ﴾ وأزواجاً من نبات إذا كان شتى صفة لقوله أزواجاً ولا فرق بين قام زيد وعمرو وقام عمرو وزيد إذا لوأولا تقتضي ترتيباً على أنه يحتمل أن يكون القولان من قائلين نطقت طائفة بقولهم رب موسى وهارون، وطائفة بقولهم : رب هارون وموسى ولما اشتركوا في المعنى صح نسبة كل من القولين إلى الجميع.
وقيل : قدم ﴿ هارون ﴾ هنا لأنه كان أكبر سناً من ﴿ موسى ﴾.
وقيل لأن فرعون كان ربَّى موسى فبدؤوا بهارون ليزول تمويه فرعون أنه ربى موسى فيقول أنا ربيته.
وقالوا : رب هارون وموسى ولم يكتفوا بقولهم برب العالمين للنص على أنهم آمنوا ﴿ برب ﴾ هذين وكان فيما قبل يزعم أنه رب العالمين.
وتقدم الخلاف في قراءة ﴿ آمنتم ﴾ وفي لأقطعن ولأصلبن في الأعراف.
وتفسير نظير هذه الآية فيها وجاء هناك آمنتم به وهنا له، وآمن يوصل بالباء إذا كان بالله وباللام لغيره في الأكثر نحو ﴿ فما آمن لموسى ﴾ ﴿ لن نؤمن لك ﴾ ﴿ وما أنت بمؤمن لنا ﴾ ﴿ فآمن له لوط ﴾ واحتمل الضمير في به أن يعود على موسى وأن يعود على الرب، وأراد بالتقطيع والتصليب في الجذوع التمثيل بهم، ولما كان الجذع مقراً للمصلوب واشتمل عليه اشتمال الظرف على المظروف عُدِّيَ الفعل بفي التي للوعاء.
وقيل في بمعنى على.
وقيل : نقر فرعون الخشب وصلبهم في داخله فصار ظرفاً لهم حقيقة حتى يموتوا فيه جوعاً وعطشاً ومن تعدية صلب بفي قول الشاعر :
وهم صلبوا العبدي في جذع نخلة...
فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا


الصفحة التالية
Icon