ولما كان ضرب البحر بالعصا سبباً لوجود الطريق الموصوفة، أوقع الفعل عليها فقال :﴿طريقاً في البحر﴾ ووصفها بالمصدر مبالغة فقال :﴿يبساً﴾ حال كونها أو كونك ﴿لا تخاف﴾ والمراد بها الجنس، فإنه كان لكل سبط طريقاً ﴿دركاً﴾ أي أن يدركك شيء من طغيان البحر أو بأس العدو أو غير ذلك.
ولما كان الدرك مشتركاً بين اللحاق والتبعة، أتبعه بقوله :﴿ولا تخشى﴾ أي شيئاً غير ذلك أصلاً إنفاذاً لأمري وإنقاذاً لمن أرسلتك لاستنقاذهم، وسوقه على هذا الوجه من إظهار القدرة والاستهانة بالمعاند مع كبريائه ومكنته استدلالاً شهودياً على ما قرر أول السورة من شمول القدرة وإحاطة العلم للبشارة بإظهار هذا الدين بكثرة الأتباع وإبارة الخصوم والإسعاد برد الأضداد وجعل بغضهم وداً، وإن كانوا قوماً لداً ؛ ثم أتبع ذلك قوله عطفاً على ما تقديره : فبادر امتثال الأمر في الإسراء وغيره :﴿فأتبعهم﴾ أي أوجد التبع والمسير وراء بني إسرائيل على ذلهم وضعفهم ﴿فرعون بجنوده﴾ على كثرتهم وقوتهم وعلوهم وعزتهم، فكانوا كالتابع الذي لا معنى له بدون متبوعه ﴿فغشيهم﴾ أي فرعون وقومه ﴿من اليم﴾ أي البحر الذي من شأنه أن يؤم ؛ وأوجز فهول فقال :﴿ما غشيهم﴾ أي أمر لا تحتمل العقول وصفه حق وصفه، فأهلك أولهم وآخرهم ؛ وقطع دابرهم، لم يبق منهم أحداً، وما شاكت أحداً من عبادنا المستضعفين شوكة ﴿وأضل فرعون﴾ على تحذلقه ﴿قومه﴾ مع ما لهم من قوة الأجساد ومعانيها.
ولما كان إثبات الفعل لا يفيد العموم، نفى ضده ليفيده مع كونه أوكد وأوقع في النفس وأروع لها فقال :﴿وما هدى﴾ أي ما وقع منه شيء من الهداية، لا لنفسه ولا لأحد من قومه، فتم الدليل الشهودي على تمام القدرة على إنجاء الطائع وإهلاك العاصي. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٣٣ ـ ٣٤﴾


الصفحة التالية
Icon