قد خرجوا بأجمعهم من البحر فعجبوا وأخبرهم موسى أن فرعون وقومه قد هلكوا فيه، فطلبوا مصداق ذلك، فلفظ البحر الناس وألقى الله تعالى فرعون على فجوة من الأرض بدرعه المعروفة له.
قال القاضي أبو محمد : فهذا اختصار قصص هذه الآية بحسب ألفاظها وقد مضى أمر غرق فرعون بأوعب من هذا في موضع اقتضاه. وقوله تعالى :﴿ يبساً ﴾ مصدر وصف به، وقرأ بعض الناس " يابساً " وأشار إلى ذكره الزجاج، وقرأ حمزة وحده " لا تخف دركاً " وذلك إما على جواب الأمر وإما على نهي مستأنف، وقرأ الجمهور " لا تخاف " وذلك على أن يكون " لا تخاف " حالاً من ﴿ موسى ﴾ عليه السلام، ويحتمل أن يكون صفة الطريق بتقدير لا يخاف فيه أي يكون بهذه الصفة ومعنى هذا القول " لا تخاف دركاً " من فرعون وجنوده ﴿ ولا تخشى ﴾ غرقاً من البحر، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه " فاتّبعهم " بتشديد التاء وتبع، واتبع إنما يتعدى إلى مفعول واحد كقوله شويت واشتويت وحفرت واحتفرت وفديت وافتديت فقوله ﴿ بجنوده ﴾ إما أن تكون الباء مع ما جرته في موضع الحال كما تقول خرج زيد بسلاحه وإما أن تكون لتعدي الفعل إلى مفعول ثان إذ لا يتعدى دون حرف جر إلا إلى واحد. وقرأ الجمهور " فأتْبعهم " بسكون التاء وهذا يتعدى إلى مفعولين، فالباء على هذا إما زائدة والتقدير " فأتبعهم فرعون جنده " وإما أن تكون بالحال ويكون المفعول الثاني مقدراً كأنك قلت رؤساءه أو عزمه ويجوز هذا، والأول أظهر، وقرأت فرقة " فغشيهم "، وقرأت فرقة " فغشاهم الله "، وقوله ﴿ ما غشيهم ﴾ إبهام أهول من النص على قدر " ما "، وهذا كقوله ﴿ إذا يغشى السدرة ما يغشى ﴾ [ النجم : ١٦ ] ﴿ وأضل فرعون قومه ﴾ يعني من أول أمره إلى هذه النهاية، ثم أكد تعالى بقوله ﴿ وما هدى ﴾ [ طه : ٧٩ ] مقابلة لقول فرعون ﴿ وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٤ صـ ﴾