وقال أبو حيان :
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ﴾
هذا استئناف إخبار عن شيء من أمر موسى عليه السلام وبينه وبين مقال السحرة المتقدم مدة من الزمان، حدث فيها لموسى وفرعون حوادث، وذلك أن فرعون لما انقضى أمر السحرة وغلب موسى وقَوُيَ أمره وعده فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل، فأقام موسى على وعده حتى غدره فرعون ونكث وأعلمه أنه لا يرسلهم معه، فبعث الله حينئذ الآيات المذكورة في غير هذه الآيات الجراد والقمل إلى آخرها كلما جاءت آية وعد فرعون أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب، فإذا انكشف نكث حتى تأتي أخرى فلما كملت الآيات أوحى الله إلى موسى عليه السلام أن يخرج بني إسرائيل في الليل سارياً والسَرْي مسير الليل.
ويحتمل أنْ ﴿ أن ﴾ تكون مفسرة وأن تكون الناصبة للمضارع و﴿ بعبادي ﴾ إضافة تشريف لقوله ﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾ والظاهر أن الإيحاء إليه بذلك وبأن يضرب البحر كان متقدماً بمصر على وقت اتباع فرعون موسى وقومه بجنوده.
وقيل : كان الوحي بالضرب حين قارب فرعون لحاقه وقوي فزع بني إسرائيل، ويروى أن موسى عليه السلام نهض ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف إنسان، فسار بهم من مصر يريد بحر القلزم، واتصل الخبر فرعون فجمع جنوده وحشرهم ونهض وراءه فأوحى الله إلى موسى أن يقصد البحر فجزع بنو إسرائيل، ورأوا أن العدو من ورائهم والبحر من أمامهم وموسى يثق بصنع الله، فلما رآهم فرعون قد نهضوا نحو البحر طمع فيهم وكان مقصدهم إلى موضع ينقطع فيه الفحوص والطرق الواسعة.
قيل : وكان في خيل فرعون سبعون ألف أدهم ونسبة ذلك من سائر الألوان.
وقيل : أكثر من هذا فضرب موسى عليه السلام البحر فانفرق اثنتي عشرة فرقة طرقاً واسعة بينها حيطان الماء واقفة، ويدل عليه فكان كل فرق كالطود العظيم.
وقيل : بل هو طريق واحد لقوله ﴿ فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً ﴾ انتهى.