وقال الآلوسى :
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ﴾
حكاية إجمالية لما انتهى إليه فرعون وقومه وقد طوى في البين ذكر ما جرى عليهم بعد أن غلبت السحرة من الآيات المفصلة الظاهرة على يد موسى عليه السلام في نحو من عشرين سنة حسبما فصل في سورة الأعراف، وكان فرعن كلما جاءت آية وعد أن يرسل بني إسرائيل عند انكشاف العذاب حتى إذا انكشف نكث فلما كملت الآيات أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام ﴿ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى ﴾ وتصدير الجملة بالقسم لإبراز كمال العناية بمضمونها.
وأن إما مفسرة لما في الوحي من معنى القول، وإما مصدرية حذف عنها الجار، والتعبير عن بني إسرائيل بعنوان العبودية لله تعالى لإظهار الرحمة والاعتناء بأمرهم والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون بهم حيث استعبدهم وهم عباده عز وجل وفعل بهم من فنون الظلم ولم يراقب فيهم مولاهم الحقيقي جل جلاله، والظاهر أن الإيحاء بما ذكر وكذا ما بعده كان بمصر أي وبالله تعالى لقد أوحينا إليه عليه السلام أن سر بعبادي الذي أرسلتك لانقاذهم من ملكة فرعون من مصر ليلاً ﴿ فاضرب لَهُمْ ﴾ بعصاك ﴿ طَرِيقاً فِى البحر ﴾ مفعول به لأضرب على الاتساع وهو مجاز عقلي والأصل اضرب البحر ليصير لهم طريقاً ﴿ يَبَساً ﴾ أي يابساً وبذلك قرأ أبو حيوة على أنه مصدر جعل وصفاً لطريقاً مبالغة وهو يستوي فيه الواحد المذكر وغيره.
وقرأ الحسن ﴿ يَبَساً ﴾ بسكون الباء وهو إما مخفف منه بحذف الحركة فيكون مصدراً أيضاً أو صفة مشبهة كعصب أو جمع يابس كصحب وصاحب.
ووصف الواحد به للمبالغة وذلك أنه جعل الطريق لفرط يبسها كأشياء يابسة كما قيل في قول القطامي :
كأن قتود رحلى حين ضمت...
حوالب غرزاً ومعي جياعا


الصفحة التالية
Icon