وأجيب بأن الآمر كذلك ولكن العرف في مثل ما هدى زيد عمراً ثبوت كون زيد عالماً بطريق الهداية مهتدياً في نفسه ولكنه لم يهد عمراً وفرعون أضل الضالين في نفسه فكيف يتوهم أنه يهدي غيره، ويحقق ذلك أن الجملة الأولى كافية في الاخبار عن عدم هدايته إياهم بل مع زيادة إضلاله إياهم فإن من لا يهدي قد لا يضل وإذا تحقق إغناؤها في الاخبار على أتم وجه تعين كون الثانية بمعنى سواه وهو التهكم، وقال العلامة الطيبي : توضيح معنى التهكم أن قوله تعالى :﴿ وَمَا هدى ﴾ من باب التلميح وهو إشارة إلى إدعاء اللعين إرشاد القوم في قوله :﴿ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد ﴾ [ غافر : ٢٩ ] فهو كم ادعى دعوى وبالغ فيها فإذا حان وقتها ولم يأت بها قيل له لم تأت بما ادعيت تهكماً واستهزاء انتهى، ويعلم مما ذكر المغايرة بين الجملتين وأنه لا تكرير، وقيل : المراد وما هداهم في وقت ما ويحصل بذلك المغايرة لأنه لا دلالة في الجملة الأولى على هذا العموم والأول أولى، وقيل : هدى بمعنى اهتدى أي أضلهم وما اهتدى في نفسه وفيه بعد، وحمل بعضهم الإضلال والهداية على ما يختص بالديني منهما، ويأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوي.
وجعلهما عبارة عن الإضلال في البحر والإنجاء منه مما لا يقبله الطبع المستقيم.
واحتج القاضي بالآية على أنه تعالى ليس خالقاً للكفر لأنه تعالى شأنه قد ذم فيها فرعون بإضلاله ومن ذم أحداً بشيء يذم إذا فعله.
وأجيب بمنع إطراد ذلك. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١٦ صـ ﴾