ولما تسبب عن ذلك أنهم لا يبالون به، علماً بأن ما فعله فهو بإذن الله، قالوا :﴿فاقض ما﴾ أي فاصنع في حكمك الذي ﴿أنت قاض﴾ ثم عللوا ذلك بقولهم :﴿إنما تقضي﴾ أي تصنع بنا ما تريد أن قدرك الله عليه ﴿هذه الحياة الدنيا﴾ أي إنما حكمك في مدتها على الجسد خاصة، فهي ساعة تعقب راحة، ونحن لانخاف إلا ممن يحكم على الروح وإن فني الجسد، فذاك هو الشديد العذاب، الدائم الجزاء بالثواب أو العقاب، ولعلهم أسقطوا الجار تنزلاً إلى أن حكمه لو فرض أنه يمتد إلى آخر الدنيا لكان أهلاً لأن لا يخشى لأنه زائل وعذاب الله باق.
ثم عللوا تعظيمهم لله واستهانتهم بفرعون بقولهم :﴿إنا ءامنا بربنا﴾ أي المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره ﴿ليغفر لنا﴾ من غير نفع يلحقه بالفعل أو ضرر يدركه بالترك ﴿خطايانا﴾ التي قابلنا بها إحسانه : ثم خصوا بعد العموم فقالوا :﴿وما أكرهتنا عليه﴾ وبينوا ذلك بقولهم :﴿من السحر﴾ لتعارض به المعجزة، فإن كان الأكمل لنا عصيانك فيه لأن الله أحق بأن يتقى.
روي أن الذي كان من القبط من السحرة اثنان فقط، والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون إن الساحر إذا نام بطل سحره، فهذا لا يقدر على معارضته، فأبى عليهم وأكرههم على المعارضة.
ولما كان التقدير : فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة، عطفوا عليه مستحضرين لكماله :﴿والله﴾ أي الجامع لصفات الكمال ﴿خير﴾ جزاء منك فيما وعدتنا به ﴿وأبقى﴾ ثواباً وعقاباً، والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون، ويؤيده قوله تعالى ﴿أنتما ومن اتبعكما الغالبون﴾ [ القصص : ٣٥ ] - قاله أبو حيان.


الصفحة التالية
Icon