وسيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم ؛ ثم عللوا هذا الختم بقولهم :﴿إنه من يأت ربه﴾ أي الذي رباه وأحسن إليه بأن أوجده وجعل له جميع ما يصلحه ﴿مجرماً﴾ أي قاطعاً ما أمره به أن يوصل ﴿فإن له جهنم﴾ دار الإهانة ﴿لا يموت فيها﴾ أبداً مع شدة عذابها.
بخلاف عذابك الذي إن اشتد أمات فزال سريعاً، وإن خف لم يُخِفْ وكان آخره الموت وإن طال ﴿ولا يحيى﴾ فيها حياة ينتفع بها ﴿ومن يأته﴾ أي ربه الذي أوجده ورباه ﴿مؤمناً﴾ أي مصدقاً به.
ولما قدم أن مجرد الكفر يوجب العذاب.
كان هذا محلاًّ يتوقع فيه الإخبار عن الإيمان بمثل ذلك فقال :﴿قد﴾ أي ضم إلى ذلك تصديقاً لإيمانه أنه ﴿عمل﴾ أي في الدنيا ﴿الصالحات﴾ التي أمر بها فكأن صادق الإيمان مستلزم لصالح الأعمال ﴿فأولئك﴾ أي العالو الرتبة ﴿لهم﴾ أي لتداعي ذواتهم بمقتضى الجبلة ﴿الدرجات العلى﴾ التي لا نسبة لدرجاتك التي وعدتنا بها منها ؛ ثم بينوها بقولهم :﴿جنات عدن﴾ أي أعدت للإقامة وهيئت فيها أسبابها ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي من تحت غرفها وأسرتها وأرضها ؛ فلا يراد موضع منها لأن يجري فيه نهر إلا جرى ؛ ثم بين بقوله :﴿خالدين فيها﴾ أن أهلها هيئوا أيضاً للإقامة.
ولما أرشد السياق والعطف على غير معطوفٍ عليه ظاهر إلى أن التقدير : ذلك الجزاء العظيم والنعيم المقيم جزاء الموصوفين، لتزكيتهم أنفسهم، عطف عليه قوله :﴿وذلك جزاء﴾ كل ﴿من تزكى﴾ أي طهر نفسه بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة، وفي هذا تسلية للصحابة رضوان الله عليهم فيما كان يفعل بهم عند نزول هذه السورة إذ كانوا مستضعفين. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٣١ ـ ٣٣﴾


الصفحة التالية