فصل


قال الفخر :
﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى تهديد فرعون لأولئك حكى جوابهم عن ذلك بما يدل على حصول اليقين التام والبصيرة الكاملة لهم في أصول الدين، فقالوا :﴿لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءنَا مِنَ البينات﴾ وذلك يدل على أن فرعون طلب منهم الرجوع عن الإيمان وإلا فعل بهم ما أوعدهم فقالوا :﴿لَن نُّؤْثِرَكَ﴾ جواباً لما قاله وبينوا العلة وهي أن الذي جاءهم بينات وأدلة، والذي يذكره فرعون محض الدنيا، ومنافع الدنيا ومضارها لا تعارض منافع الآخرة ومضارها، أما قوله :﴿والذي فَطَرَنَا﴾ ففيه وجهان : الأول : أن التقدير لن نؤثرك يا فرعون على ما جاءنا من البينات وعلى الذي فطرنا أي وعلى طاعة الذي فطرنا وعلى عبادته.
الوجه الثاني : يجوز أن يكون خفضاً على القسم.
واعلم أنهم لما علموا أنهم متى أصروا على الإيمان فعل فرعون ما أوعدهم به فقالوا :﴿فاقض مَا أَنتَ قَاضٍ﴾ لا على معنى أنهم أمروه بذلك لكن أظهروا أن ذلك الوعيد لا يزيلهم ألبتة عن إيمانهم وعما عرفوه من الحق علماً وعملاً، ثم بينوا ما لأجله يسهل عليهم احتمال ذلك فقالوا :﴿إنما تقضي هذه الحياة الدنيا﴾ وقرىء :( نقضي هذه الحياة الدنيا ) ووجهها أن الحياة في القراءة المشهورة منتصبة على الظرف فاتسع في الظرف باجرائه مجرى المفعول به كقولك : في صمت يوم الجمعة صيم والمعنى أن قضاءك وحكمك إنما يكون في هذه الحياة الدنيا وهي كيف كانت فانية وإنما مطلبنا سعادة الآخرة وهي باقية، والعقل يقتضي تحمل الضرر الفاني المتوصل به إلى السعادة الباقية ثم قالوا :﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خطايانا﴾ ولما كان أقرب خطاياهم عهداً ما أظهروه من السحر، قالوا :﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر﴾ وذكروا في ذلك الإكراه وجوهاً.


الصفحة التالية
Icon