هذا منتهى كلامهم في مسألة الوعيد قلنا حاصل الكلام يرجع إلى أن النص الدال على إقامة الحد عليه على سبيل التنكيل صار معارضاً للنصوص الدالة على كونه مستحقاً للثواب، فلم كان ترجيح أحدهما على الآخر أولى من العكس وذلك لأن المؤمن كان ينقسم إلى السارق وغير السارق، فالسارق ينقسم إلى المؤمن وإلى غير المؤمن فلم يكن لأحدهما مزية على الآخر في العموم والخصوص فإذا تعارضا تساقطا.
ثم نقول : لا نسلم أن كلمة من في إفادة العموم قطعية بل ظنية ومسألتنا قطعية فلا يجوز التعويل على ما ذكرته، وتمام الكلام فيه مذكور في كتاب المحصول في الأصول.
المسألة الثالثة :
تمسكت المجسمة بقوله :﴿إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً﴾ فقالوا : الجسم إنما يأتي ربه لو كان الرب في المكان.
وجوابه : أن الله تعالى جعل إتيانهم موضع الوعد إتياناً إلى الله مجازاً كقول إبراهيم عليه السلام :﴿إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدِينِ﴾ [ الصافات : ٩٩ ].
المسألة الرابعة :
الجسم الحي لا بد وأن يبقى إما حياً أو يصير ميتاً فخلوه عن الوصفين محال، فمعناه في الآية أنه يكون في جهنم بأسوء حال لا يموت موتة مريحة ولا يحيا حياة ممتعة.
ثم ذكر حال المؤمنين فقال :﴿وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصالحات فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدرجات العلى﴾ واعلم أن قوله :﴿قَدْ عَمِلَ الصالحات﴾ يقتضي أن يكون آتياً بكل الصالحات.
وذلك بالإتفاق غير معتبر ولا ممكن فينبغي أن يحمل ذلك على أداء الواجبات، ثم ذكر أن من أتى بالإيمان والأعمال الصالحات كانت له الدرجات العلى، ثم فسرها فقال :﴿جنات عَدْنٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ وفي الآية تنبيه على حصول العفو لأصحاب الكبائر لأنه تعالى جعل الدرجات العلى من الجنة لمن أتى ربه بالإيمان والأعمال الصالحة فسائر الدرجات التي هي غير عالية لا بد وأن تكون لغيرهم.