والطبرسى يقول كغيره من علماء مذهبه بأن الأنبياء عليهم السلام يورثون كما يورث سائر الناس، ولهذا نراه يتأثر بمذهبه هذا. فيحمل عليه كلام الله، فمثلاً عندما فسَّر قوله تعالى فى الآيتين [٥، ٦] من سورة مريم :﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾.. يقول ما نصه :".. اختُلِف فى معناه، فقيل : معناه : يرثنى مالى ويرث من آل يعقوب النبوة.. عن أبى صالح - وقيل معناه : يرث نبوتى ونبوة آل يعقوب.. عن الحسن ومجاهد. واستدل أصحابنا بالآية على أن الأنبياء يورثون المال، وأن المراد بالإرث المذكور فيها المال دون العلم والنبوة، بأن قالوا : إن لفظ الميراث فى اللُّغة والشريعة لا يُطلق إلا على ما يُنقل من الموروث إلى الوارث كالأموال، ولا يُستعمل فى غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع، ولا يُعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة. وأيضاً فإن زكريا قال فى دعائه :﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً﴾.. أى اجعل يا رب ذلك المولى الذى يرثنى رضياً عندما ممتثلاً لأمرك، ومتى حملنا الإرث على النبوة لم يكن لذلك معنى، وكان لغواً عبثاً، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد : اللَّهم ابعث لنا نبياً، واجعله عاقلاً رضياً فى أخلاقه، لأنه إذا كان نبياً فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا فى النبوة، ويقوى ما قلناه أن زكريا صرَّح بأنه يخاف بنى عمه بعده بقوله :﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي﴾.. وإنما يطلب وارثاً لأجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة والعلم، لأنه كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبياً من ليس بأهل النبوة، وأن يورث علمه وحكمته من ليس لهما بأهل، ولأنه إنما بُعث لإذاعة العلم ونشره فى الناس، فكيف يخاف من الأمر الذى هو الغرض من بعثته. فإن قيل : إن هذا يرجع عليكم فى


الصفحة التالية
Icon