فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [١٢٥] من سورة الأنعام :﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً﴾... الآية، يقول ما نصه :".. قد ذُكِر فى تأويل الآية وجوه :
أحدها : أن معناه : مَن يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنَّة يشرح صدره للإسلام فى الدنيا، بأن يثبت عزمه عليه، ويقوى دواعيه على التمسك به، ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان وما يعرض فى القلوب من الخواطر الفاسدة. وإنما يغفل ذلك لطفاً له ومَنا عليه وثواباً على اهتدائه بهدى الله وقبوله إياه. ونظيره قوله سبحانه :﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى﴾، ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَواْ هُدًى﴾، ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ﴾ عن ثوابه وكرامته، ﴿يَجْعَلْ صَدْرَهُ﴾ فى كفره، ﴿ضَيِّقاً حَرَجاً﴾ عقوبة له على ترك الإيمان من غير أن يكون سبحانه مانعاً له عن الإيمان، وسالباً إياه القدرة عليه، بل ربما يكون ذلك سبباً داعياً له إلى الإيمان، فإن مَن ضاق صدره بالشئ كان ذلك داعياً له إلى تركه. والدليل على أن شرح الصدر قد يكون ثواباً قوله تعالى :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾.. الآيات ومعلوم أن وضع الوزر ورفع الذِكْر يكون ثواباً على تحمل أعباء الرسالة وكلفها، وكذلك ما قُرِن به من شرح الصدر. والدليل على أن الهدى قد يكون إلى الثواب قوله :﴿وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾، ومعلوم أن الهداية بعد القتل لا تكون إلا إلى الثواب، فليس بعد الموت تكليف، وقد وردت الرواية الصحيحة : أنه لما نزلت هذه الآية سُئل رسول الله ﷺ عن شرح الصدر : ما هو ؟ فقال : نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فيشرح له صدره وينفسح، قالوا : فهل لذلك من أمارة يُعرف بها ؟. قال :" نعم، الإنابة إلى دار الخلود،


الصفحة التالية
Icon