وثالثها : أن المعنى : أنهم قطعوا آمالهم وأطماعهم عن كل شئ سوى الله، ورجوه دون غيره، فكن سبحانه عن الطمع بالنظر، ألا ترى أن الرعية تتوقع نظر السلطان وتطمع فى إفضاله عليها وإسعافه فى حوائجها، فنظر الناس مختلف : فناظر إلى السلطان، وناظر إلى تجارة، وناظر إلى زراعة، وناظر إلى ربه يؤمله.. وهذه الأقوال متقاربة فى المعنى، وعلى هذا فإن هذا الانتظار متى يكون ؟ فقيل : إنه بعد الاستقرار فى الجنَّة، وقيل : إنه قبل استقرار الخلق فى الجنة والنار، فكل فريق ينتظر ما هو له أهل.. وهذا اختيار القاضى عبد الجبار - وذكر جمهور أهل العدل أن النظر يجوز أن يُحمل على المعنيين جميعاً، ولا مانع لنا من حمله على الوجهين، فكأنه سبحانه أراد أنهم ينظرون إلى الثواب المُعَد لهم فى الحال من أنواع النعيم، وينتظرون أمثالها حالاً بعد حال ليتم لهم ما يستحقون من الإجلال، ويُسئل على هذا فيقال : إذا كان بمعنى النظر بالعين حقيقة وبمعنى الانتظار مجازاً فكيف يُحمل عليهما ؟ والجواب : أن عند أكثر المتكلمين فى أصول الفقه يجوز أن يرادا بلفظ واحد إذ لا تنافى بينهما.. وهو اختيار المرتضى قدَّس الله روحه، ولَمْ يجوزِّ ذلك أبو هاشم إلا إذ تكلم به مرتين : مرة يريد النظر، ومرة يريد الانتظار. وأما قولهم : المنتظر لا يكون نعيمة خالصاً فكيف يوصف أهل الجنَّة بالانتظار ؟ فالجواب لعنه : أن مَن ينتظر شيئاً لا يحتاج إليه فى الحال وهو واثق بوصوله إليه عند حاجته فإنه لا يهتم بذلك ولا ينقص سروره به، بل ذلك زايد فى نعيمه، وإنما يحلق الهم المنتظر إذا كان يحتاج إلى ما ينتظره فى الحال ويلحقه بفوته مضرَّة وهو غير واثق بالوصول إليه. وقد قيل فى إضافة النظر إلى الوجوه : إن الغم والسرور إنما يظهران فى الوجوه، فبيَّن الله سبحانه أن المؤمن إذا ورد يوم القيامة تهلل وجهه، وأن الكافر يخاف مغبة أفعاله القبيحة فيكلح وجهه.."
* *
السحر :


الصفحة التالية
Icon