والطبرسى ينكر حقيقة السحر ولا يقول به، ويخالف جمهور أهل السُّنَّة فى ذلك، ويرد أدلتهم، وينكر حديث البخارى فى سحر رسول الله ﷺ، ولهذا نراه فى آخر تفسيره لقوله تعالى للآية [١٠٢] من سورة البقرة :﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾... الآية، يقول ما نصه :".. واختُلِف فى ما هية السحر على أقوال :
فقيل : إنه ضرب من التخييل وصنعة لطيفة من الصنائع، وقد أمر الله تعالى بالتعوذ منه وجعل التحرز منه بكتابة وقاية منه، وأنزل فيه سورة الفلق.. وهو قول الشيخ المفيد أبى عبد الله من أصحابنا.
وقيل : إنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها، تخيل إلى المسحور لها حقيقة. وقيل : إنه يمكن الساحر أن يقلب الإنسان حماراً ويقلبه من صورة إلى صورة، وينشئ الحيوان على وجه الاختراع. وهو لا يجوز، ومن صدَّق به فهو لا يعرف النبوة، ولا يأمن من أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النوع، ولو أن الساحر والمعزم قدرا على نفع أو ضرر، وعلما الغيب لقدرا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز من معادنها والغلبة على البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه وضرر، فلما رأيناهم أسوأ الناس حالاً وأكثرهم مكيدة واحتيالاً. علمنا أنهم لا يقدرون على شئ من ذلك. فأما ما روى من الأخبار أن النبى ﷺ سُحر فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله أو أنه لم يفعل ما فعله فأخبار مفتعلة لا يُلتفت إليها، وقد قال الله حكاية عن الكفار :﴿إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾. فلو كان السحر عمل فيه لكان الكفار صادقين فى مقالهم، حاشا للنبى من كل صفة نقص تنفر عن قبول قوله، فإنه حُجَّة الله على خلقه وصفوته على بريته.."
* *
* الشفاعة :
هذا.. ولا يلتزم الطبرسى القول بكل معتقدات المعتزلة، بل نراه يخالفهم فى كثير من الأحيان، ويرد عليهم معتقداتهم، ويجادلهم فيها جدالاً عنيفاً قوياً.