والثاني : أن تتبعني في وصيتي إذ قلت لك :﴿اخلفنى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] فلم تركت قتالهم وتأديبهم وهذا قول مقاتل ثم قال :﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى﴾ ومعناه ظاهر وهذا يدل على أن تارك المأمور به عاص والعاصي مستحق للعقاب لقوله :﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا﴾ [ الجن : ٢٣ ] ولقوله :﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خالدا فِيهَا﴾ [ النساء : ١٤ ] فمجموع الآيتين يدل على أن الأمر للوجوب، فأجاب هارون عليه السلام وقال :﴿يبنؤم﴾ قيل : إنما خاطبه بذلك ليدفعه عنه فيتركه، وقيل : كان أخاه لأمه :﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى﴾ واعلم أنه ليس في القرآن دلالة على أنه فعل ذلك، فإن النهي عن الشيء لا يدل على كون المنهي فاعلاً للمنهى عنه كقوله :﴿وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين﴾ [ الأحزاب : ٤٨ ] وقوله :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] والذي فيه أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه وهذا القدر لا يدل على الاستخفاف به بل قد يفعل ذلك لسائر الأغراض على ما بيناه، ومن الناس من يقول إنه أخذ ذؤابتيه بيمينه ولحيته بيساره ثم قال :﴿إِنّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْراءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى﴾ ولقائل أن يقول : إن قول موسى عليه السلام :( ما منعك أن لا تتبعن أفعصيت أمري ) يدل على أنه أمره بشيء فكيف يحسن في جوابه أن يقال : إنما لم أمتثل قولك خوفاً من أن تقول :﴿وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى﴾ فهل يجوز مثل هذا الكلام على العاقل.


الصفحة التالية
Icon