أما قوله :﴿وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ فالمعنى فعلت ما دعتني إليه نفسي وسولت مأخوذ من السؤال فالمعنى لم يدعني إلى ما فعلته أحد غيري بل اتبعت هواي فيه، ثم إن موسى عليه السلام لما سمع ذلك من السامري أجابه بأن بين حاله في الدنيا والآخرة وبين حال إلهه أما حاله في الدنيا فقوله :﴿فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِى الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ﴾ وفيه وجوه : أحدها : أن المراد : أني لا أمس ولا أمس قالوا : وإذا مسه أحد حم الماس والمسوس فكان إذا أراد أحد أن يمسه صاح خوفاً من الحمى وقال لا مساس.
وثانيها : أن المراد بقوله :﴿لاَ مِسَاسَ﴾ المنع من أن يخالط أحداً أو يخالطه أحد وقال مقاتل : إن موسى عليه السلام أخرجه من محلة بني إسرائيل وقال له : اخرج أنت وأهلك فخرج طريداً إلى البراري، اعترض الواحدي عليه فقال الرجل : إذا صار مهجوراً فلا يقول هو لا مساس وإنما يقال له ذلك، وهذا الاعتراض ضعيف لأن الرجل إذا بقي طريداً فريداً فإذا قيل له : كيف حالك فله أن يقول لا مساس أي لا يماسني أحد ولا أماس أحداً، والمعنى إني أجعلك يا سامري في المطرودية بحيث لو أردت أن تخبر غيرك عن حالك لم تقل إلا أنه لا مساس وهذا الوجه أحسن وأقرب إلى نظم الكلام من الأول.