ولما عمتهم الفتنة إلا اثني عشر ألفاً من أكثر من ستمائة ألف، أطلق الضلال على الكل فقال :﴿وأضلهم السامري﴾ أي عن طريق الرشد بما سبب لهم؟ روى النسائي في التفسير من سننه، وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ في حديث الفتون أن موسى عليه السلام لما وعده ربه أن يكلمه استخلف على قومه أخاه هارون عليه السلام، وأجلهم ثلاثين يوماً، وذهب فصامها ليلها ونهارها، ثم كره أن يكلم ربه وريح فمه متغير، فمضغ شيئاً من نبات الأرض فقال له ربه : أوما علمت أن ريح الصائم أطيب من ريح المسك؟ ارجع فصم عشراً، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم وقال : إنكم خرجتم من مصر، ولقوم فرعون عندكم عواريّ وودائع، ولكم فيها مثل ذلك، وأنا أرى أن تحسبوا ما لكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها ولا عاريّة، ولسنا برادين إليهم شيئاً من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا، فحفر حفيراً وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوه في ذلك الحفير، ثم أوقد النار فأحرقه فقال : لا يكون لنا ولا لهم، وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جيران لبني إسرائيل ولم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا، فقضى له أن رأى أثراً فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون عليه السلام : يا سامري! ألا تلقي ما في يدك - وهو قابض عليه لا يراه أحد طوال ذلك اليوم، فقال هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، ولا ألقيها لشيء إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يكون ما أريد، فألقاها ودعا له هارون، فقال : أريد أن يكون عجلاً، فاجتمع ما كان في الحفرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد، فصار عجلاً أجوف ليس فيه الروح، له خوار، قال ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ : لا والله! ما كان له صوت قط، إنما كانت الريح تدخل في دبره فتخرج من فيه، فكان ذلك