ولما كان خروج التمثال عقب إلقاءه، حعل كأنه المتسبب في ذلك، فقيل مع العدول عن أسلوب التكلم استهجاناً لنسبة أمر العجل إلى المتكلم :﴿فأخرج لهم﴾ أي لمن شربه وعبده، وجعل الضمير للغيبة يؤيد قول من جعل هذا كلام من لم يعبد العجل، والمعنى عند من جعله من كلام العابدين أنهم دلوا بذلك على البراءة منه والاستقذار له.
ولما كان شديد الشبه للعجول، قيل :﴿عجلاً﴾ وقدم قوله :﴿جسداً﴾ لنعرف أن عجليته صورة لا معنى - على قوله :﴿له خوار﴾ لئلا يسبق إلى وهم أنه حي، فتمر عليه لمحة على اعتقاد الباطل ﴿فقالوا﴾ أي فتسبب عن ذلك أن السامري قال فتابعه عليه من أسرع في الفتنة أول ما رآه :﴿هذا﴾ مشرين إلى العجل الذي هو على صورة ما هو مثل في الغباوة ﴿إلهكم وإله موسى فنسى﴾ أي فتسبب عن أنه إلهكم أن موسى نسي - بعدوله عن هذا المكان - موضعه فذهب يطلبه في مكان غيره، أو نسي أن يذكره لكم.
ولما كان هذا سبباً للإنكار على من قال هذا، قال :﴿أفلا يرون﴾ أي أقالوا ذلك؟ فتسبب قولهم عن عماهم عن رؤية ﴿أن﴾ أي أنه ﴿لا يرجع إليهم قولاً﴾ والإله لا يكون أبكم ﴿ولا يملك لهم ضراً﴾ فيخافوه كما كانوا يخافون فرعون فيقولوا ذلك خوفاً من ضره ﴿ولا نفعاً﴾ فيقولوا ذلك رجاء له.
ولما كان الذنب مع العلم أبشع، والضلال بعد البيان أشنع، قال عاطفاً على قوله ﴿قال يا قوم ألم يعدكم﴾ أو على قوله " قالوا ما أخلفنا " :﴿ولقد قال لهم هارون﴾ أي مع أن من لم يعبده لم يملكوا رد من عبده.
ولما كان قولهم في بعض ذلك الزمان، قال :﴿من قبل﴾ أي من قبل رجوع موسى، مستعطفاً لهم :﴿يا قوم﴾ ثم حصر أمرهم ليجتمع فكرهم ونظرهم فقال :﴿إنما فتنتم﴾ أي وقع اختباركم فاختبرتم في صحة إيمانكم وصدقكم فيه وثباتكم عليه ﴿به﴾ أي بهذا التمثال في إخراجه لكم على هذه الهيئة الخارقة للعادة.