وأكد لأجل إنكارهم فقال :﴿وإن ربكم﴾ أي الذي أخرجكم من العدم ورباكم بالإحسان ﴿الرحمن﴾ وحده الذي فضله عام ونعمه شاملة، فليس على البر ولا فاجر نعمة إلا وهي منه قبل أن يوجد العجل، وهو كذلك بعده.
ومن رحمته قبول التوبة، فخافوا نزع نعمه بمعصيته، وارجوا إسباغها بطاعته ﴿فاتبعوني﴾ بغاية جهدكم في الرجوع إليه ﴿وأطيعوا أمري﴾ في دوام الشرف بالخضوع لديه، ودوام الإقبال عليه، بدفع عنكم ضيره، ويفض عليكم خيره.
ولما كان هذا موضع أن يسأل من جوابهم لهذا الأمر الواضح الذي لا غبار عليه، قيل :﴿قالوا﴾ بفظاظة وجمود :﴿لن نبرح عليه﴾ أي على هذا العجل ﴿عاكفين﴾ أي مقيمين مستديرين مجتمعين وإن حاربنا في ذلك ﴿حتى يرجع إلينا موسى﴾ فدافعهم، فهمّوا به، وكان معظمهم قد ضل، فلم يكن معه من يقوى بهم، فخاف أن يجاهد بهم الكافرين فلا يفيد ذلك شيئاً، ويقتل بعضهم فيحمى له آخرون من ذوي رحمة الأقربين، فيصير بين بني إسرائيل فرقة يبعد ضم شتاتها وتلافي دهمائها، وكانوا قد غيوا الرجوع برجوع موسى عليه السلام مع أنه لم يأمره بجهاد من ضل، إنما قال له ﴿وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] فرأى من الإصلاح اعتزالهم إلى أن يأتي. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٣٩ ـ ٤١﴾