فصل
قال الفخر :
﴿ قالوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾.
وفيمن قائل هذا الجواب من هو وجهان : الأول : أنهم الذين لم يعبدوا العجل فكأنهم قالوا : إنا ما أخلفنا موعدك بملكنا أي بأمر كنا نملكه وقد يضيف الرجل فعل قريبه إلى نفسه كقوله تعالى :﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر﴾ [ البقرة : ٥٠ ]، ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ [ البقرة : ٧٢ ] وإن كان الفاعل لذلك آباءهم لا هم فكأنهم قالوا : الشبهة قويت على عبدة العجل فلم نقدر على منعهم عنه ولم نقدر أيضاً على مفارقتهم لأنا خفنا أن يصير ذلك سبباً لوقوع التفرقة وزيادة الفتنة.
الوجه الثاني : أن هذا قول عبدة العجل والمراد أن غيرنا أوقع الشبهة في قلوبنا وفاعل السبب فاعل المسبب ومخلف الوعد هو الذي أوقع الشبهة فإنه كان كالمالك لنا.
فإن قيل : كيف يعقل رجوع قريب من ستمائة ألف إنسان من العقلاء المكلفين عن الدين الحق دفعة واحدة إلى عبادة العجل الذي يعرف فسادها بالضرورة، ثم إن مثل هذا الجمع لما فارقوا الدين وأظهروا الكفر فكيف يعقل رجوعهم دفعة واحدة عن ذلك الدين بسبب رجوع موسى عليه السلام وحده إليهم، قلنا : هذا غير ممتنع في حق البله من الناس، واعلم أن في بملكنا ثلاث قراءات، قرأ حمزة والكسائي بضم الميم ونافع وعاصم بفتح الميم وأبو عمرو وابن عامر وابن كثير بالكسر، أما الكسر والفتح فهما واحد وهما لغتان مثل رطل ورطل.
وأما الضم فهو السلطان، ثم إن القوم فسروا ذلك العذر المجمل فقالوا :﴿ولكنا حُمّلْنَا أَوْزَاراً مّن زِينَةِ القوم﴾ قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر حملنا مخففة من الحمل وقرأ ابن كثير ونافع وحفص وابن عامر : حملنا مشددة، فمن قرأ بالتخفيف فمعناه حملنا مع أنفسنا ما كنا استعرناه من القوم ومن قرأ بالتشديد ففيه وجوه : أحدها : أن موسى عليه السلام حملهم على ذلك أي أمرهم باستعارة الحلي والخروج بها فكأنه ألزمهم ذلك.