﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) ﴾
اعلم أن هارون عليه السلام إنما قال ذلك شفقة منه على نفسه وعلى الخلق أما شفقته على نفسه فلأنه كان مأموراً من عند الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان مأموراً من عند أخيه موسى عليه السلام بقوله :﴿اخلفنى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] فلو لم يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكان مخالفاً لأمر الله تعالى ولأمر موسى عليه السلام وذلك لا يجوز، أوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم وستين ألفاً من شرارهم، فقال : يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار ؟ فقال : إنهم لم يغضبوا لغضبي.
وقال ثابت البناني قال أنس قال رسول الله ﷺ :" من أصبح وهمه غير الله تعالى فليس من الله في شيء ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم ".
وعن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي ﷺ :" مثل المؤمنين في تواددهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " وقال أبو علي الحسن الغوري : كنت في بعض المواضع فرأيت زورقاً فيها دنان مكتوب عليها لطيف فقلت للملاح : إيش هذا فقال : أنت صوفي فضولي وهذه خمور المعتضد، فقلت له : أعطني ذلك المدرى، فقال لغلامه : اعطه حتى نبصر إيش يعمل، فأخذت المدرى وصعدت الزورق فكنت أكسر دنا دنا والملاح يصيح حتى بقي واحد فأمسكت فجاء صاحب السفينة فأخذني وحملني إلى المعتضد وكان سيفه قبل كلامه فلما وقع بصره علي قال من أنت ؟ قلت المحتسب، قال من ولاك الحسبة ؟ قلت : الذي ولاك الخلافة.
قال : لم كسرت هذه الدنان ؟ قلت شفقة عليك إذا لم تصل يدي إلى دفع مكروه عنك.