قال : فلم أبقيت هذا الواحد قلت إني لما كسرت هذه الدنان فإني إنما كسرتها حمية في دين الله فلما وصلت إلى هذا أعجبت فأمسكت ولو بقيت كما كنت لكسرته، فقال : اخرج يا شيخ فقد وليتك الحسبة، فقلت كنت أفعله لله تعالى فلا أحب أن أكون شرطياً.
وأما الشفقة على المسلمين فلأن الإنسان يجب أن يكون رقيق القلب مشفقاً على أبناء جنسه وأي شفقة أعظم من أن يرى جمعاً يتهافتون على النار فيمنعهم منها، وعن أبي سعيد الخدري عنه عليه السلام :" يقول الله تعالى اطلبوا الفضل عند الرحماء من عبادي تعيشوا في أكنافهم فإني جعلت فيهم رحمتي ولا تطلبوها في القاسية قلوبهم فإن فيهم غضبي "، وعن عبد الله بن أبي أوفى قال :"خرجت أريد النبي ﷺ فإذا أبو بكر وعمر معه فجاء صغير فبكى فقال لعمر : ضم الصبي إليك فإنه ضال فأخذه عمر فإذا امرأة تولول كاشفة رأسها جزعاً على ابنها فقال رسول الله ﷺ :
" أدرك المرأة " فناداها فجاءت فأخذت ولدها وجعلت تبكي والصبي في حجرها فالتفتت فرأت النبي ﷺ فاستحيت فقال عليه السلام عند ذلك :" أترون هذه رحيمة بولدها ؟ " قالوا : يا رسول الله كفى بهذه رحمة فقال " والذي نفسي بيده إن الله أرحم بالمؤمنين من هذه بولدها " ويروى :" أنه بينا رسول الله ﷺ جالس ومعه أصحابه إذ نظر إلى شاب على باب المسجد فقال :" من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا " فسمع الشاب ذلك فولى، فقال : إلهي وسيدي هذا رسولك يشهد علي بأني من أهل النار وأنا اعلم أنه صادق، فإذا كان الأمر كذلك فأسألك أن تجعلني فداء أمة محمد ﷺ وتشعل النار بي حتى تبر يمينه ولا تشعل النار بأحد آخر، فهبط جبريل عليه السلام وقال :"يا محمد بشر الشاب بأني قد أنقذته من النار بتصديقه لك وفدائه أمتك بنفسه وشفقته على الخلق ".