وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان ﴾ تقدّم في "الأعراف".
﴿ قَالَ ﴾ يعني الشيطان ﴿ ياآدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى ﴾ وهذا يدل على المشافهة، وأنه دخل الجنة في جوف الحية على ما تقدّم في "البقرة" بيانه، وتقدم هناك تعيين الشجرة، وما للعلماء فيها فلا معنى للإعادة.
﴿ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة ﴾ تقدّم في "الأعراف" مستوفى.
وقال الفراء :"وَطَفِقَا" في العربية أقبلا ؛ قال وقيل : جعلا يلصقان عليهما ورق التين.
قوله تعالى :﴿ وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى ﴾ فيه ست مسائل :
لأولى : قوله تعالى :﴿ وعصى ﴾ تقدّم في "البقرة" القول في ذنوب الأنبياء.
وقال بعض المتأخرين من علمائنا والذي ينبغي أن يقال : إن الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بذلك عن نفوسهم، وتنصّلوا منها، واستغفروا منها وتابوا، وكل ذلك ورد في مواضع كثيرة لا يقبل التأويل جملتها، وإن قبل ذلك آحادها، وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم ؛ إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس ؛ فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة، مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة.
قال : وهذا هو الحق.
ولقد أحسن الجنيد حيث قال : حسنات الأبرار سيئات المقربين ؛ فهم صلوات الله وسلامه عليهم وإن كانوا قد شهدت النصوص بوقوع ذنوب منهم، فلم يخل ذلك بمناصبهم، ولا قدح في رتبتهم، بل قد تلافاهم، واجتباهم وهداهم، ومدحهم وزكاهم واختارهم واصطفاهم ؛ صلوات الله عليهم وسلامه.


الصفحة التالية
Icon